+ A
A -
ما زالت دول منطقة اليورو في الاتحاد الأوروبي تُراهن على الدور الإنقاذي للاستثمارات والتوظيفات المالية والاقتصادية الصينية في أزماتها المالية، وخاصة منها أزمة اليونان الاقتصادية، التي خَبِت قليلاً، لكنها ما زالت دون حلٍ ناجع، ودون اسناد حقيقي مُستدام من دول الاتحاد أمام أي هزات مالية قادمة أو متوقعة.

فقد خرجت دول الاتحاد الأوروبي خالية الوفاض من أي دعم مالي مباشر من آخر قمة عقدتها مجموعة العشرين في مدينة يالطا التركية أواخر العام 2015 المنصرم، بعد أن جاءت إلى القمة وهي تستنجد المساعدة الصينية بشكل رئيسي لتغطية العجز الاقتصادي عبر توفير سيولة مالية في مجال الاستثمارات وتوظيفها في بلدانها.

لكن الدعم الذي تلقته دول الاتحاد الأوروبي من مجموعة العشرين في قمة يالطا، وحتى من مجموعة الدول السبع الاقتصادية الكبرى، انحصر في الجانب المعنوي، فيما كانت دول الاتحاد تسعى لنيل موافقة دول غنية باحتياطيها المالي (كجمهورية الصين الشعبية) على ضخ استثمارات في صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي.

دول الاتحاد الأوروبي كانت وما زالت تأمل بحدوث طفرات نوعية في علاقاتها الاقتصادية مع الصين الشعبية، وتسعى للحصول منها على تعهد قوي تجاه صندوق الإنقاذ الأوروبي حتى لو كلفها الأمر إحداث تعاضد وتقاطع سياسي مشترك وواسع تجاه العديد من القضايا الدولية الساخنة.

فالصين الشعبية جذابة لدول منطقة اليورو بسبب تمتعها بأكبر احتياطي نقدي في العالم من العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، والجنيه الاسترليني... واليورو.

فلسفة القيادة في الصين الشعبية، النفعية، والبراغماتية، دأبت على دفع أوروبا للتعامل مع ويلاتها المالية لوحدها أو مقايضاتها على ذلك سياسياً، وهو ما دفعها لتوسيع استثماراتها في دول منطقة اليورو، بشكلٍ بطيء، ومتدرج، ومدروس، بالتوازي مع التفاهمات السياسية تجاه المواضيع المُختلفة، لتبدو السياسة بالفعل باعتبارها اقتصادا مُكثّفا، وهي العبارة التي تُلخِّص طبيعة العلاقات الدولية والإقليمية الراهنة، اذ أصبحت قضايا الاستثمار والتجارة والتنمية هي المحرك الأساسي لهذه العلاقات، فالقدرة الاقتصادية للدول تُحدد موقعها السياسي في محيطها وفي الإقليم والعالم، وقدرتها على المشاركة الفعّالة في صياغة القرار الأممي على أرفع مستوياته.

وعليه، بدأت الصين الشعبية مؤخراً، وفي ظل تفاهمات سياسية غير مرئية بشكلٍ مباشر مع دول الاتحاد، بضخ استثماراتها وتوظيفها في دول منطقة اليورو، وبالتدريج المُتتالي، حيث ارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية خلال الربع الأول من العام الجاري 2016 إلى نحو(23 مليار دولار أميركي)، وفي الولايات المتحدة نحو (15 مليار دولار) وبلغت في مجموعها (38) مليار دولار خلال 2015. وقد تركّزت تلك الاستثمارات في قطاع السيارات والتمويل وتكنولوجيا المعلومات وحتى العقارات.

مقابل ذلك، بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة غير المالية في الصين الشعبية في الربع الأول من العام الجاري 2016 نحو (22.52) مليار دولار، وتَقُوم حكومة الصين، بحملة تهدف إلى اجتذاب المُسْتَثْمِرِين الأجانب، وتوفير البنية التحتية المناسبة، بما في ذلك تسهيل الإجراءات وسن القوانين والتشريعات التي تحكم عمل الاستثمارات الوافدة وتطويرها من حين لآخر.

إنها عملية ترابط السياسة بالاقتصاد، والتي تُلخص لغة المصالح، إنها عقلية ميكافيلي (الغاية النفعية تُبرّر شروط التعاون)، العقلية التي تَجعل دولة كبرى ذات اقتصاد كبير يَحكُمُها حزب شيوعي، تتناغم في التعاون المشترك مع الغرب الأوروبي وفق مساحات من تفاهمات السياسات والمصالح.

بقلم : علي بدوان

copy short url   نسخ
04/04/2016
767