+ A
A -
تكتسب المنطقة الأوروبية أهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية وطموحاتها في العمل كقوة عالمية مُقررة إلى مديات طويلة ومفتوحة. لكن تلك الأهمية مازالت تراوح عند حدود المنطق الاستخدامي بالنسبة للعلاقات الرسمية مع دول الاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة لا ترى بالمجموعة الأوروبية ودول الاتحاد سوى ممول اقتصادي في مسارات الحلول لمختلف الأزمات والقضايا العالمية، ومنها القضية الفلسطينية والعملية التفاوضية بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، حيث يبرز الدور الأوروبي في إطار الدول المانحة لميزانية السلطة الفلسطينية ولوكالة (أونروا)، بينما تتربع واشنطن على سدة رعاية عملية التسوية المأزومة أصلاً، مع تهميش أدوار باقي الأطراف الدولية، بما فيها اللجنة الرباعية الدولية التي تشكّلت عام 2002 (الولايات المتحدة+ روسيا+ الاتحاد الأوروبي+ الأمم المتحدة).

ولاتفوتنا هنا التصريحات العديدة التي كان أطلقها بعض صقور الإدارة الأميركية إبان عهد الرئيس جورج بوش الابن- في الزمن الذهبي الذي اعتقد به البعض أن الولايات المتحدة باتت القطب الأوحد دون منازع- ومن تلك التصريحات وصف أوروبا باعتبارها القارة العجوز، في نظرية التمييز التسطيحي لوزير الدفاع الأميركي الأسبق الصقري دونالد رامسفيلد بشأن الهوة الكامنة بين «أوروبا القديمة العجوز» والولايات المتحدة «الشابة والناهضة».

إن تلك الأقوال والتقديرات الأميركية، لم تأت من فراغ، بل جاءت في سياقات معروفة ومعلومة، حيث سيادة منطق الاستحواذ الأميركي، وتهميش الأطر والمؤسسات الدولية، ومنها دول الغرب الأوروبي (دول الاتحاد). ولتكشف الغطاء عن سياسة واشنطن، فهي تريد أيضاً كما قال المفكر الأميركي روبيرت كاغان «أن تطبخ الولايات المتحدة الطبخة، وأن تقوم أوروبا بغسل الأطباق».

إن التباينات بين الولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي، قائمة، وفعلية، بشأن العديد من القضايا الساخنة في الساحة الدولية. فبعض دول الاتحاد الأوروبي تبدو أحياناً مُنهكة، متثاقلة وضاجرة في خطواتها السياسية الواقعة تحت محذور توسيع التصادم السياسي مع الولايات المتحدة، وتحت رتابه بيروقراطية القرار السياسي المتفشية بين عدد من دوله المؤثره.

ومع هذا، وذاك، فإن الساحة الأوروبية مازالت تحوز ثلاثة جوانب رئيسية ترفع من أسهم أهميتها الجيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة. يشتمل الجانب الأول القطب الشمالي وهو منطقة متداخلة أوروبياً وأميركياً من الناحية الجغرافية، حيث وجود مخزون هائل من الموارد كالغاز الطبيعي والنفط. ويتمثل الجانب الثاني في الموقع الأوروبي الجغرافي كصلة وصل مع الشرق الأوسط، ويمكن أن تضاف منطقة القوقاز، ومضيقا البوسفور والدردنيل، كنقاط جيوسياسية محط اهتمام كبير للولايات المتحدة. ويتجسد الجانب الثالث بالبحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا.

وعليه، من المهم التركيز على تطوير العلاقات العربية الأوروبية وإعطائها صفة التفاضلية. فالعديد من دول الاتحاد الأوروبي ترى مصالحها الأساسية مع العالم العربي، وبالتالي يُمكن لها أن تتخذ مواقف أكثر توازناً بالنسبة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية بشكلٍ عام.

بقلم علي بدوان
copy short url   نسخ
25/03/2016
805