+ A
A -
بالرغم من الانتقال الهائل الذي صنعته الصين الشعبية في كافة الميادين، وخصوصاً في الميدان الاقتصادي، والطفرة الكبيرة في النهوض والبناء، بعد تبني «سياسة الإصلاح والانفتاح»، وتبني نظرية «اقتصاد السوق»، فقد رافق تلك العملية مثالب عديدة، كان منها على سبيل المثال نشوء فجوة مُتسعة بين الأغنياء والفقراء وما تحمله تلك الفجوة من بذور عدم استقرار اجتماعي، واحتمالات وقوع هزات اجتماعية في المستقبل، تعمل الصين الشعبية على تفاديها، وتفادي حصولها من خلال تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي والصحي والتعليمي، وزيادة المساهمة في بناء وتشييد المساكن لذوي الدخل المحدود، حيث وفّرت الدولة نحو (13) مليون شقة سكنية بين أعوام 2008 ــ 2011، وهي بصدد بناء أكثر من 23 مليون شقة سكنية، يفترض أن تكون متوفرة قبل عام 2020، وخاصة للعمال الذين تُقَدّر أعدادهم في عموم البلاد حالياً بحو (750) مليون عامل. والذين يتوقع أن تبلغ عددهم أكثر من (800) مليون عامل بحلول عام 2020.

كما تعمل الصين الشعبية على تفادي اتساع الهوة بين طبقات الشعب من خلال دعم وإرشاد وتطوير القطاعات الاقتصادية الخاصة، الصغيرة والكبيرة، ودعم قوتها من خلال التسهيلات الحكومية. وقد نمت بسرعة فائقة مابعد العام 2000، إلى حد أنها باتت تُساهم اليوم بنسبة (60%) من معدل الدخل القومي، وتسدد نحو (50%) من مجموع الضرائب.

كانت الزراعة العماد الأساسي للاقتصاد الوطني الصيني، لكن التحولات التالية، قفزت بالاقتصاد الصيني خطوات جبارة، حيث بات الآن في مصاف اقتصاديات دول العالم الكبرى، وبنمو قومي متزايد بوتائر عالية مقارنة بغيرها من الدول الصناعية الكبرى في العالم، خصوصاً بعد سنوات من سياسة الانفتاح التي أقرّها وصاغها وقادها (دنغ هسياو بينغ)، والذي في ظله أصبحت الصين الشعبية العملاق الاقتصادي الثاني في العالم (بعد الولايات المتحدة).

الصين، تعمل بصمت، عَبرَ اقتصاد هائل، وأحلاماً واسعة، واستراتيجية ترمي لربط دول عديدة به، وفي تحدي واضح للهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث حققت قفزات كبرى على كل الصعد والميادين. وقد بدت في السنوات الأخيرة تُرَكّز على التوجهات المستقبلية في الابتكارات والاختراعات، وخصوصاً في مجالات التكنولوجيا والطيران، وعلوم الفضاء، والقطارات السريعة، والحواسيب المتطورة، والأبحاث الجينية في الزراعة والطب، بما في ذلك عمليات زرع الأعضاء والمعالجات بالخلايا الجذعية وغيرها، حيث بات الاستثمار في ميادين الطب البشري سوقاً رائجاً جداً في الصين الشعبية.

وبينما بلغ عدد الاختراعات الصينية المسجلة 112 ألف اختراع عام 2011 بزيادة (18?2 %) منذ عام 2002 يتوقع أن يفوق مجموع الاختراعات الصينية المليون عام 2020 وذلك بفضل استمرار تزايد نسبة مجموع معدل الدخل الوطني المخصصة للأبحاث والتطوير.

إن تلك المؤشرات والمعطيات، مُذهلة، ومُدهشة، في بلدٍ يعيش فوق ترابه الوطني أكثر من مليار ونصف المليار إنسان يتوقع أن يصل فيه معدل الدخل الفردي لكل مواطن عام 2020 ضعف ما يبلغه اليوم. فالصين تُقَدِم دروساً في التجربة الحية، وحافزاً في السعي العربي لتطوير الاقتصاد المحلي، وإيجاد أشكال متطورة من التكامل العربي في هذا الميدان، حيث تتعدد مصادر الثروات العربية.

بقلم : علي بدوان

copy short url   نسخ
17/03/2016
813