+ A
A -
كان موقف دونالد ترامب من القضية الفلسطينية ارتجالياً وغير مدروس وخطيراً، بشهادة صحيفة «الغارديان» اللندنية الراقية غير أن ما قاله الرئيس الأميركي الجاهل بتاريخ تلك القضية، كان كافياً بالنسبة لنتانياهو وزمرته المتطرفة، للتخلي عن كل الممنوعات والخطوط الحمراء، وإطلاق سياسة استيطان مفتوحة جنباً إلى جنب مع ضم فعلي للضفة الغربية يتم الآن وعلى مدار الساعة.
الصحف الإسرائيلية مليئة بالمقترحات، خارج إطار الدولتين والدولة الواحدة، وتتحدث عن حكم ذاتي وتجمعات سكانية فلسطينية، وعن منح الجنسية الإسرائيلية وإقامة اتحاد كونفدرالي بين الشعبين. لذلك هناك مشاريع «في السوق»، تشمل دولة فلسطينية على حدود «1967» مع بقاء المستوطنات تحت السلطة الإسرائيلية، علماً بأن الأرض التي لم يتم استيطانها بعد، تساوي 38 % فقط من الضفة الغربية، حسب ما قالت صحيفة «معاريف».
وإذا كانت الضفة الغربية وغزة «معا تساويان 22% من فلسطين التاريخية، فإنهما الآن بعد التوغل الاستيطاني المفتوح تساويان 11% من فلسطين التاريخية، فوقها سيتم كل شيء: الحكم الذاتي والاستقلال .. والتناسل!
تشمل المقترحات أيضاً، كلاماً براقاً، هو بمثابة سراب، كبناء المنازل للفلسطينيين وتحويل غزة إلى سنغافورة. لكن ما يظلل كل هذا الكلام ــ وأغلبه كذب وتضليل ــ بقاء إسرائيل مهيمنة على جميع الأرض والواقعة بين النهر والبحر، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وأمنيا.
لكن الحقيقة المجردة تقول شيئا آخر مختلفاً تماماً، ذلك أن إسرائيل شعرت بعد تنصيب ترامب أنها تحررت من التحدث بازدواجية. فعلى مدى عقود كان بيريز وغيره يتحدثون بحماس عن السلام في ذات الوقت الذي كانوا يستخدمون فيه كل الوسائل لعرقلة هذا السلام.
لم لا وترامب ــ الجاهل حقا بفلسطين ــ منحهم شيكاً على بياض: افعلوا ما يحلو لكم، فالمستوطنات ليست(!) عقبة أمام السلام. أما إسرائيل فقد عوملت بطريقة غير عادلة وسأعمل على تصحيح هذا الظلم التاريخي!
على ضوء ذلك سقطت كل الأقنعة، وظهر نتانياهو الحقيقي على العلن، متخلياً عن أي حذر، ومتسلحاً بوقاحة قلّ نظيرها: سنبني ونبني دون توقف وسنوسع ونوسع المستوطنات العشوائية وغير العشوائية، ولا شيء سيوقفنا.
مصاصو الدماء الذين أطلق لهم ترامب العنان، فاجأوه بتطرف ردود أفعالهم، ولكنْ بعد فوات الأوان، وبعد أن صار عبداً للرؤية الصهيونية السائدة في القدس المحتلة وفي نيويورك.
وكما يعتقد محللون، فقد أصاب الإحباط ترامب بسبب صلف إسرائيل ومجونها وقسوتها، مما دفعه إلى دعوتها في حديث لصحيفة «إسرائيل اليوم» إلى أن تكون عقلانية عندما تخطط للسلام.
أي عقلانية «مستر بريزدنت نَمْبِرْ 45»؟ فبعد مواقفك وتصريحاتك الهوجاء المبنية على قلة المعلومات وعدم فهم تاريخ فلسطين، أصبح المتاح محصوراً في خيارين: دولة واحدة بمواطنة وحقوق متساوية للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، أو فصل عنصري متعاظم وجدران وقوانين غير أخلاقية، وتطهير عرقي إلى أجل غير معروف، بعد.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
22/02/2017
2116