+ A
A -
شَهِدت العلاقات الصينية- الإسرائيلية منذ قيامها عام 1993، مساراً مُتعرجاً، وحالات من المد والجزر تبعاً للأولويات التي ارتأتها بكين، وفي مقدمتها الضرورات البراغماتية النفعية في العلاقة مع «إسرائيل» في مجالات التكنولوجيا وصناعات (الهاي تك) والإلكترونيات، وذلك دون إلحاق أي ضررٍ بعلاقاتها التاريخية مع مُختلف الأطراف العربية التي تربطها مع بكين مساحة واسعة من المصالح المشتركة الاقتصادية والتجارية وغيرها.

معظم القراءات الإسرائيلية لمُستقبل الدور الصيني في المنطقة، تفيد بأن الهدف الرئيسي للمؤسسة السياسية الصينية يَتَمَثّل في سعي بكين لزيادة نفوذها في الأسرة الدولية دون أن تُثير غضب أو خشية أي من التكتلات السياسية الدولية الكبرى، وبناء حضورها في الشرق الأوسط عبر البوابة الاقتصادية، مع استمرار النموّ الاقتصادي الصيني الذي بَلَغَ في الأعوام العشرين الفائتة نحو (14%) سنوياً في المتوسط العام، وإلى توثيق علاقاتها مع الدول المزودة لها بالمواد الخام ومصادر الطاقة، ومعظمها دول نامية في إفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، حيث تستورد الصين الشعبية أكثر من نصف احتياجاتها النفطية من دول تقع في الشرق الأوسط، ومنها إيران، وواقع الأمر، أن ظمأ الصين للنفط والغاز يشكّل عنصراً حاسماً في سياساتها الخارجية، على نحو جعل تأمين موارد الطاقة يتصدر قائمة أولوياتها على حساب الاهتمامات الدبلوماسية.

كما تفيد القراءات الإسرائيلية بأن بكين تسعى أيضاً لاحتلال مكانة رفيعة المستوى في منطقة جنوب شرق آسيا وذلك عبر توثيق العلاقات مع جاراتها، حيث تؤكد المعطيات الرسمية أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ قاربت نحو (59%) من مجموع الاستثمارات الأجنبية في الصين، بينما بلغت نسبة التجارة مع هذه الدول (41%) من مجمل التجارة الصينية الخارجية.

ويعتقد أصحاب هذه القراءات أن تصاعد النفوذ الصيني في السياسة الشرق أوسطية قد يعود بالنفع على «إسرائيل» أكثر ممّا قد يضرّ بها، نظراً لوجود علاقات أمنية واقتصادية بينهما بقيت مقاومة للصدمات حتى في فترات الأزمة بين الطرفين.

وبالرغم من ذلك، فإن عددا من الباحثين في مركز ما يسمى بـ «معهد دراسات الأمن القومي» في جامعة تل أبيب، يرى أن أكثر ما يميّز العلاقات بين «إسرائيل» والصين الشعبية وبالتالي يؤثر عليها هو احتكامها إلى المقاربة البراغماتية والمرنة التي انتهجتها حكومة بكين حيال «إسرائيل»، وذلك في إلماح صريح إلى كون القيادة الصينية تتحكم بمستوى هذه العلاقات وجوهرها وآفاقها على الصعد كافة.

ومن جانبنا نقول إن الصين تنطلق من الزاوية الموضوعية والبراغماتية، في رؤيتها التي تُقدر بأن الشرق الأوسط لا يزال عنواناً رئيساً لمصادر الطاقة وسوقاً كبيرة لإنتاجها، وللأيدي العاملة الصينية، كما أنه مصدر للاستثمارات والتكنولوجيا، ولذا فهي تعزّز علاقاتها مع دول مثل إيران والسعودية، وتعمل على ترسيخ مكانتها في دول الخليج وتزيد حضورها السياسي في المنطقة كافة بصورة تدريجية. فالصين التي ترتفع فيها معدلات النمو بشكل لافت للانتباه رغم التباطؤ في السنوات الأخيرة، بحاجة أكثر فأكثر إلى الأسواق الأجنبية، ومنها أسواق الشرق الأوسط، وإلى المصادر الخارجية للمواد الخام وكذلك إلى الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة.

إنّ الاستنتاج المطلوب ممّا تقدّم، هو أنّ الصين تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، ومصالحها التاريخية والاقتصادية والنفعية تَصُبُ في مسار علاقاتها مع دول المنطقة والعربية منها على وجه التحديد قبل أن تَصُبُ مع «إسرائيل». وعليه فإن على الدول العربية أن تبحث بدورها عن مصالحها، وأن تتعاطى ببراغماتية مقابلة مع الصين الشعبية وغيرها من القوى الكبرى التي تضع منطقة الشرق الأوسط على جدول أعمالها بشكلٍ مستديم.

بقلم : علي بدوان

copy short url   نسخ
04/03/2016
799