+ A
A -
يروج السياسيون بشكل واضح لفـشل لقاءات الآستانة بين الأطراف المتصارعة في الأزمة السورية وانـتـقال «دوامة» التـفاوض إلى جنيف لتلاقي ربما فـشلا آخر مقصودا من باب التدرج في تـقسيم المقسم! الحقيقة المرة تـقول إن مفاوضات الآستانة وجنيف وما قبلها وما بعدها فـشلت في الوصول إلى حل يرضي المعارضة السورية لكنها تـنجح دائما في تـفكيك المعارضة نـفسها وتـقزيمها ليصبح مآلها التـمزق على شكل كتل هنا وكتل هناك بدون قوة ولا حيلة! الاستراتيجية الدولية في الأزمة السورية تسير نحو إبقاء نظام الأسد في مواجهة تـنظيم الدولة ليصبح دعم النظام للقضاء على التـنظيم هدفا دوليا مباحا!
من سوء حظ المعارضة السورية سياسية كانت أم عسكرية أنها بدأت ونمت على فكرة النانو السياسي (جماعات وفرق وكتائب وأحزاب صغيرة) وذلك جعل من المعارضة السورية فريسة سهلة لفكرة «فرق تسد» الأزلية التي فرقت العرب ولم تجمعهم رغم المحاولات! هذا الوضع المأساوي مضروب في المكر الدولي والتـنسيق الأممي جعل لدى الكتل الكبيرة من المعارضة السورية قابلية أكبر للتـفكك وحرم الكتل الصغيرة من القدرة على التكتل إلا من تصرف بدون وقع الأطماع المادية وتأثير الحسابات الدولية الظاهرة منها والمخفية، وهذا قليل!
تحرك السياسيون بعد الهدنة المزعومة إثر تدمير حلب وبعد انـقـشاع غمة الانـتخابات الأميركية ووضوح شيء من توجهات السياسة الأميركية الجديدة التي ستـخـتلف في الأسلوب لكن لن تـخـتلف في الهدف كما هي العادة! على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول المشاركة في مجموعة العشرين (يعني ليس حتى اجتماعا خاصا)، اجتمع وزراء خارجية «مجموعة أصدقاء سوريا» مع وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون لاستكشاف معالم السياسة الجديدة لإدارة ترامب إزاء الأزمة السورية خاصة بعد لقاء تيلرسون نظيره الروسي لافروف، فبدأت ثـنائية جديدة أسمها تيلرسون- لافروف بعد الثـنائية القديمة كيري- لافروف! ولدى أعداء سوريا وأصدقائها قدرة عجيـبة على الصبر وتوليد الثـنائيات و«تمطيط» المحادثات والمفاوضات والتسويف والتصريف والتجديف مادام الوضع على الأرض كما هو ثبات نظام الأسد وتـفكك المعارضة السورية!
حسب الدعوة التي وجهها المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا يجري التحضير على قدم وعكاز لمؤتمر جنيف (4) بعد ثلاث «جنيفات» وواحد فيينا وواحد استانة! لتبدأ جولة جديدة من المفاوضات قد تسهم في تـفكيك أكبر للمعارضة السورية التي تهرول أجنحتها السياسية ومعهم العرب الغارقة إلى المفاوضات بدون ضمانات وبدون أوراق وبدون حتى ملابس داخلية! في حين تـقف الأجنحة العسكرية للمعارضة السورية تحت وابل التـقـنية الأميركية والروسية المتطورة وتـتـفكك تحت طائلة المكر السياسي والمخابراتي ويتهدد القصف العشوائي الهمجي حاضنـتها الشعبـية فيما لو حاولت تـغيـير المعطيات المفروضة على الأرض! إنها إشكالية «عليك أن تعرف عدوك لا لتحاربه لكن للتـفاوض معه»!
كل الوعود معسولة وكل المفاوضات كذب! على سبيل المثال، صرح المبعوث الروسي لسورية ألكسندر لافرنتيف في مؤتمر صحفي بعد انـتهاء اجتماع الآستانة قائلا «اتـفقـنا على فرض عقوبات على أي طرف يقوم بخرق وقف إطلاق النار، وأكدنا على وحدة الأراضي السورية ونرفض أي خرق للحدود ودعم جهود دي مستورا لحل الأزمة السورية»! لكن الطيران الروسي كان في الليل أول من يمحو كلام الروس في النهار وكان أرذل من ينـتهك وقف إطلاق النار ويـبـيد العائلات السورية عن بكرة أبـيها كما حدث في بلدة الهبـيط بريف إدلب! الفلسفة الروسية الهمجية: أعطيك من طرف اللسان حلاوة وأقـصفك بصواريخ عابرة للقارات وطائرات لا تعرف الرحمة!
وهناك عدد من المضحكات المبكيات عن الآستانة وجنيف (4)، أولها أن عملية تـشكيل وفد المعارضة الموحد إلى جنيف يقودها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، يا للهول (1)! وقد اقـترحت روسيا أن تُـمثل المعارضة السورية بوفدين معارضين في مقابل وفد موحد لنظام الأسد، يا للهول (2)! وقد طالب الروس بنعومة مبالغ فيها بالتركيز على صياغة الدستور الجديد لسوريا العروبة وإجراء الانـتخابات تحت أزيز الطائرات الروسية، كمن يكتب قصيدة عصماء والكلاشينكوف على رأسه، يا للهول (3)! هذا مبكي حتما خاصة وأن العرب أصبحوا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام! لكن المضحك حقا لو وصلنا إلى يا للهول (4) على وزن جنيف (4)! لا. هذا يتطلب إبداع أميركي خاص والأميركان الآن في عزلة بعد أن ضمنوا تحقيق جميع أهدافهم ومصالحهم في نهاية المطاف!
خلاصة القول إن جولة المفاوضات في الآستانة تعتبر فشلا ذريعا بالنسبة للشعب السوري لكنها قد تكون نجاحا منـقطع النـظير بالنسبة لأعداء سوريا البـين منهم والمخـتفي! وكذلك ستكون جنيف (4)!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
21/02/2017
4657