+ A
A -
يلاحقني حل الدولة الواحدة منذ سنين طويلة، أيقنت أن دولة الاحتلال غير راغبة أبداً في وقف التوسع الاستيطاني. وهكذا فإن استمرار توسيع المستوطنات وشرعنة العشوائية منها التي بنيت بدون إذن رسمي في قلب المناطق المأهولة بالفلسطينيين، ثم إطلاق البناء دون قيود في أي مكان بين النهر والبحر .. كل ذلك جعل من المستحيل تماماً التحدث عن حل الدولتين.
حل الدولتين ممكن في حالة واحدة فقط تقوم على أساس ترحيل نصف مليون يهودي من الضفة الغربية ومائة وخمسين ألفاً من القدس الشرقية. غير أن استحالة تنفيذ ذلك في ظل المعادلات الدولية القائمة يضعنا أمام خيارين: إما دولة واحدة، وإما نظام الكانتونات، أو بالأحرى نظام العبيد.
ولما كان الشعب الفلسطيني في الأمم الشرق أوسطية المتعلمة والمثقفة والمسيسة والخبيرة في ابتكار وتنفيذ أساليب المقاومة المتنوعة ضد الاحتلال العنصري، فإنه لن يقبل حتماً الخضوع والاستسلام ورفع الراية البيضاء، خاصة وأنه ليس شعباً بدائياً أو بلا حضارة أو أصول عرقية متسلسلة. وكما قلتُ سابقاً فإنه ليس كالهنود الحمر الذين عاشوا حياة البداوة والبساطة والبدائية الجاهلة، عندما اقترف الأوروبيون المهاجرون إلى أميركا جرائم الإبادة الجماعية ضدهم بوحشية تجعل جبين كل غربي مثقلاً بالخزي والعار، أبا عن جد حتى نهاية التاريخ.
إذا كان دونالد ترامب قد لامس مسألة ذات «فولت» عالٍ من الحساسية والخطورة عندما قال إنه يدرس حل الدولة الواحدة ومستعد لقبول تطبيقه إذا وافق عليه الطرفان، فإنه يكون قد أثار الكثير من الجدل الذي سيتواصل لسنوات حول إمكانية حل كهذا لن يقبله شعب واع ومثقف كالفلسطينيين ما لم يضمن مساواة وعدالة وحقوقاً ومناصب ينص عليها قانون واحد للفلسطينيين والإسرائيليين.
اللصوصية الفاحشة التي شرّعها حكم نتانياهو مبيحاً لكل يهودي «حق» الاستيلاء على أرض يملكها فرد فلسطيني، ليبني عليها المستوطن بيتاً يتحول لبؤرة استيطانية، تشرعن أحلام القضاء على الآخر بكل أساليب الوحوش ومصاصي الدماء وأعداء الإنسانية والأخلاق بكل قيمها.
لكن هؤلاء الخارجين على كل ما يمت للبشر بصلة سيَصّحَوْن ذات يوم على كرتون أحلامهم يحترق بنار المقاومة التي يتقن الفلسطينيون ابتكار وسائلها، وبصحوة دولية متدرجة لا تقبل بدي كليرك آخر منحه الإنجليز السلطة ومددوا له سنين طويلة إلى أن جاء يوم انهيار نظامه وذهابه إلى مانديلا، راجيا تدخله لإنقاذ البلاد من المذابح.
التطور الطبيعي القائم على مقاومة لا تتوقف وحملات الكشف المنتظم لجرائم إسرائيل والدعوات المتصاعدة لمعاقبتها بشتى الطرق وعزلها دوليا وإغلاق أجزاء مهمة من المجتمع الدولي الباب بوجهها وفضحها دون قيود، كل ذلك سيجبر الذين سيأتون بعد نتانياهو على إعلان الندم وطلب الرحمة والمغفرة، والنزول من الشجرة العالية التي زرعها اليمين المتوحش.
وما يساعد ويسرع في انتصار الحق على الباطل أن الأمم المتحدة وهيئاتها دمرت تماماً أسس الرواية الإسرائيلية، وقضت المحاكم والهيئات المتخصصة بأن دولة إسرائيل تفتقر إلى رواية تاريخية مناسبة، تمكنها من المطالبة بفلسطين. وأني لعلى ثقة كاملة بأن أرض اللبن والعسل ستعطي أكلها لأصحابها، وليس للصوصها.

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
19/02/2017
1092