+ A
A -
جوّع كلبك يتبعك: مثل عربي شهير قيل في الجاهلية، والمثل العربيّ لا بد له من قصة بعكس الحكمة التي قد تُقال دونما مناسبة، وقائل المثل أحد ملوك اليمن، أما القصة، فقد كان صاحبنا عنيفًا على أهل مملكته، جشعًا طماعًا يغصبهم أموالهم ويسلبهم ما في أيديهم، حتى أضحى القوم فقراء وليس فيهم غني غيره، فقالت له امرأته ناصحة: ارفق بقومك فإني أخاف أن يصيروا علينا سباعًا بعد ما كانوا لنا أعوانًا! فقال لها: جوِّع كلبك يتبعك! وأقام فيهم على حاله هذه، ثم غزا فيهم مرة فأصابوا خيرًا كثيرًا، فأخذه كله كعادته، فلقي القوم أخاه وقالوا له: لقد رأيتَ ما فعل أخوك بنا، وإنا نكره أن يخرج الملك منكم إلى بيتٍ غيركم، فأعنا على قتل أخيك، واجلس مكانه! فوافقهم في طلبهم، فوثبوا عليه جميعًا وقتلوه، فمر به عامر بن جذيمة وهو مقتول، وكان قد سمع قوله: جوّع كلبك يتبعك، فقال له: ربما أكل الكلب مؤدبه إذا لم يشبعه، فصارت مثلًا هي الأخرى.
الدرس الأول:
العدل أقل تكلفة من الظلم! فالعادل مطمئن وحده والظالم خائف في حرسه، وعندما جاء رسول كسرى إلى عمر بن الخطاب ووجده نائمًا مطمئنًا تحت الشجرة بلا حرس ولا جند قال له قولته الشهيرة: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ! العدل معادلته بسيطة: خذ ما لكَ وأعطِ الناس ما لها واطمئن، أما الظلم فمعادلته معقدة، حرس وجنود ومخابرات وكلاب بوليسية وخوف!
الدرس الثاني:
القلاع الحصينة لا تسقط إلا من الداخل! اقرؤوا التاريخ، كل نظام سقط على أيدي أعدائه الخارجيين كان قد سقط قبل هذا بكثير من الداخل، بغداد لم تسقط على يد هولاكو وإنما كانت ساقطة قبله، ولكن هولاكو أطلق عليها رصاصة الرحمة، والأنظمة التي رأيناها تسقط بعد مظاهرتين، لم تسقط لأن المظاهرات كانت صلبة ولكن الأنظمة كانت هشة، والذي لا يحميه عدله لا يحميه جنده!
الدرس الثالث:
قال أبو جعفر المنصور يومًا لقادته، صدق القائل: جوّع كلبك يتبعك، فقال له حميد الطوسي: يا أمير المؤمنين، إن لوَّح له غيرك برغيف ترككَ! وأسوأ سياسة في الحكم هي سياسة التجويع، والتطويع عن طريق الحرمان، الحاكم الذكي لا يخاف إذا شبع الناس، ولكنه يخاف إذا جاعوا، إذا صارت الوظيفة بالواسطة، والسرير في المستشفى بالواسطة، والمقعد الدراسي في الجامعة بالواسطة، والمنزل في وزارة الإسكان بالواسطة، والقبر في المقبرة بالواسطة، فانتظر السقوط، إن القطة الوادعة تصبح أسدًا عندما تُحشر في الزاوية.
الدرس الرابع:
سياسة التجويع لنيل التبعية ليست سياسة حكومات فقط، وإنما سياسة أفراد أيضًا، يمارسها الزوج مع زوجته، والأب مع أولاده، والحماة مع كنتها، والكنة مع حماتها، يعتقد الناس أن التبعية تتحقق بامتلاك الأجساد، ولا يعرفون أن
أجمل تبعية يمكن تحقيقها هي عن طريق امتلاك القلوب!
copy short url   نسخ
18/02/2017
15892