+ A
A -

«اليوفوريا» التي غزت شرايين نتانياهو ابتهاجاً بنتائج اجتماعه مع ترامب، هي مشاعر خادعة في كل الأحوال. وقول نفتالي بنيت الغارق في أوهامه إن للفلسطينيين دولتين واحدة بغزة والثانية بالأردن فلا داعي للثالثة، تزييف وقح للحقائق ينهار في دقائق من النقاش الموضوعي.
أعترف بأنني من مؤيدي الدولة الواحدة منذ وقت طويل، وما دَفْنُ حل الدولتين إلا تعجيل في الخيار الوحيد المتبقي وهو الدولة الواحدة التي ستفرض نفسها مع مرور السنين، مثلما فرضت التطورات على دي كليرك تسليم السلطة إلى مانديلا، ومثلما اضطر الخميني إلى تجرع سم الهزيمة على يد صدام.
ندرك تماماً أن هذا الخيار يرفضه نتانياهو والمستوطنون والحاخامات، لكنه سيقطع الرحلة بثبات لأن الخيار الذي يفكر فيه رئيس الحكومة لا يتعدى ضم التجمعات البشرية الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية إلى الأردن وتسمية ذلك اتحاداً كونفيدرالياً، وهو خيار مرفوض بشدة أردنياً وفلسطينياً وإقليمياً ودولياً ولا مجال للتفاوض حوله مهما حلكت الظروف، ومهما ضغطت واشنطن بطلب من إسرائيل.
ولابد من تحليل موقف ترامب بعناية، إذ أنه تحدث عن استعداده للقبول بحل الدولتين أو حل الدولة الواحدة إذا ما وافق الطرفان على أي منهما، وهو ما يعني اعترافه بأنه لا يمكن صنع السلام دون الفلسطينيين الذين يعلم الجميع أنهم مسيَّسون إلى أبعد الحدود، وذوو خبرة في مقارعة الاحتلال ومقاومته النشطة التي لم تتوقف يوماً منذ مايو 1948، ولا نظنها ستتوقف في عصر «الأبارتيد» الرسمي.
لذلك يبدو مستحيلاً أن يقبل حتى محمود عباس الذي يهددونه بدحلان، أي حل يقوم على إنشاء الكانتونات الفلسطينية في دولة الفصل العنصري التي يقيمها نتانياهو. ويتعين على رئيس الوزراء المتغطرس أن يُدرك أن الفلسطينيين ليسوا هنوداً حُمراً عاشوا ظروفاً بدائية عندما أبادهم البِيض العنصريون القساة، وأن المفكرين والمبعدين والمثقفين الذين أنتجتهم فلسطين وصلوا إلى العالمية وتفوقوا على عدة دول وشعوب.
لذلك، ليَنْسَ نتانياهو ومن يأتي بعده فكرة تقوم على إخضاع الشعب الفلسطيني أو ضمه قسراً إلى أي دولة أخرى، فهذا الأمر أصبح وراءنا منذ زمن. ولذلك، فإن على من يريد الدولة الواحدة أن يعلم أنها ستكون ثنائية القومية، وأن القاطنين ما بين النهر والبحر في فلسطين التاريخية منقسمون إلى نصفين إسرائيلي وفلسطيني (7 ملايين لكل طرف)، تقريباً.
لكن دولة كهذه لن تقوم لها قائمة إلا على أساس المواطنة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والمناصب، تماماً كما هو الحال في الاتحاد السويسري على سبيل المثال.
كل الرافضين لفكرة الدولة الواحدة سيتساقطون تباعاً وأولهم الرئيس الإسرائيلي رفلين الذي دافع قبل يومين عن هذا الخيار مشترطاً المساواة طبقاٌ لقانون واحد يشمل الشعبين، رغم أنه ليكودي ملتزم.
وقبل أن نصل إلى مرحلة الإقناع بالدولة الواحدة، سيخوض الفلسطينيون مواجهات شرسة مع الاحتلال العنصري ومع اعتقالاته وإعداماته الميدانية وجدرانه وهّدْمه البيوت وبنائه المستوطنات، إلى آخر ما هنالك مع قمع ولصوصية ومسلك مافيوي.
غير أن القناعة بالدولة الواحدة ستبدأ بالتشكل بعد رحيل نتانياهو، لأن ابتلاع فلسطين كلها والإفلات أمر مستحيل تماماً في كل الأحوال.
copy short url   نسخ
18/02/2017
1101