+ A
A -
ماذا إذا انسحبت تركيا من حلف شمال الأطلسي؟
قد يبدو السؤال مستغرباً. ذلك أن القوة العسكرية التركية هي الثانية من حيث الحجم– بعد الولايات المتحدة الأميركية- في منظومة الحلف العسكرية. ثم إن موقع تركيا المجاور للاتحاد الروسي يجعل من دورها في الحلف أكثر أهمية.. وبالتالي يجعل من انسحابها منه أشد خطورة.
غير أن هناك متغيرات عديدة وهامة تطرح السؤال حول إمكانية هذا الانسحاب. من هذه المتغيرات:
أولاً: في نوفمبر- 2015، أسقطت تركيا طائرة حربية روسية فوق سوريا، وقتل قائدها. كان هذا الحادث الأول من نوعه (منذ نصف قرن) حيث تسقط قوة عسكرية تابعة لحلف شمال الأطلسي طائرة عسكرية روسية. ولكن كيف كان الرد الروسي على ذلك؟
عندما وقعت محاولة الانقلاب العسكري في تركيا ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، لعبت المخابرات الروسية دوراً إنقاذياً لأردوغان شخصياً ولحكومته. وتؤكد المعلومات الرسمية أن اتصالاً جرى بين مسؤولين في الكرملين وصهر الرئيس أردوغان أدى إلى فشل محاولة اغتياله بواسطة طائرات حربية تركية توجهت إلى الفندق الذي كان يقضي فيه فترة استجمام في بحر مرمرة.
وبالمقابل فإن الشخصية التي يتهمها الرئيس أردوغان بتدبير محاولة الانقلاب الشيخ فتح الله غول لا يزال حتى اليوم يقيم في الولايات المتحدة. ولقد رفضت الإدارة الأميركية طلبات تركية رسمية متعددة بتسليمه لمحاكمته أمام القضاء التركي. وشددت عليه الحراسة الأميركية الرسمية لحمايته من إمكانية التعرض لأي اعتداء!.
ثانياً: في ديسمبر الماضي، جرت في قلب العاصمة التركية أنقرة عملية اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف أثناء افتتاحه معرضاً للرسوم الفنية.
لم تتهم موسكو الحكومة التركية بالمسؤولية ولا حتى بالتقصير في حماية السفير. ولكنها على العكس من ذلك، دعت إلى عقد لقاء روسي– تركي– إيراني مشترك للعمل معاً من أجل وقف القتال في سوريا وإعداد برنامج مشترك يفتح الطريق أمام تسوية سياسية.
ثالثاً: منذ بدايات الانفجار السوري الرهيب وتركيا تطالب بأمرين: الأول إقامة شريط آمن على طول حدودها مع سوريا لاستيعاب المهاجرين السوريين، والثاني قطع الطريق أمام الأكراد في استثمار الأزمة الدموية في سوريا لإقامة حزام كردي يجمع بين أكراد العراق وسوريا وتركيا. غير أن الولايات المتحدة رفضت الأمرين معاً، أما روسيا فإنها تتعاون مع تركيا اليوم عسكرياً وسياسياً بما يستجيب لمطلبيها. ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة الأكراد وتسلحهم، تقوم روسيا باحتوائهم وإخضاعهم لمحاولة التفاهم الروسي– التركي.
رابعاً: أعلن الاتحاد الأوروبي إقفال باب الاتحاد في وجه تركيا باعتبارها غير مؤهلة للانضمام إليه. وذهب الاتحاد إلى أكثر من ذلك، إذ جمد العمل باتفاق يسمح للرعايا الأتراك بدخول دول الاتحاد من دون تأشيرة مقابل التزام تركيا منع الهجرة عبرها إلى أوروبا.
فهم أردوغان الرسالة التي بدأت تصله من خلال المواقف الأوروبية المتعاطفة مع محاولة الانقلاب التي تعرض لها، أو على الأقل من خلال المواقف المعارضة لردات فعله ضد الانقلابيين واتهامه بعدم احترام حقوق الإنسان.
وبالفعل فإن الحكومة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان طردت الآلاف من رجال الأمن والمخابرات، ووضعت نصف جنرالات الجيش التركي في السجن، حتى سلاح الطيران الذي يعتبر الأهم في أوروبا، أصبح مشلولاً لثبوت تواطؤ قياداته في محاولة الانقلاب.
وفي الوقت ذاته تواجه تركيا– الرئيس أردوغان حرباً داخلية مع الأكراد، وحرباً خارجية في سوريا ضد النظام وضد الجماعات الإرهابية معاً، فإن الحليف الوحيد المتعاون معها في هذه الحرب هي روسيا.
يجد الرئيس أردوغان نفسه أمام وضع يتمثل في المشاهد السوريالية التالية:
* الولايات المتحدة تحمي المتهم بالتحريض على الانقلاب العسكري فتح الله غولن.
* وأوروبا تنقض اتفاقها مع حكومته وتغلق أبواب الاتحاد في وجه بلاده.
* أما روسيا الرئيس بوتين فإنها تتجاوز ما تعرضت له من إسقاط طائرتها العكسرية، واغتيال سفيرها، وتمد يدها للرئيس أردوغان، وتشترك معه في صياغة اتفاق وقف النار في سوريا والتمهيد لحل شامل فيها.
من هنا السؤال: أي معنى يبقى لاستمرار تركيا في حلف شمال الأطلسي؟. وماذا يعني أن تدير ظهرها للحلف تجسيداً للأمر الواقع الجديد؟
لا شك في أن خطوة من هذا النوع سوف تؤدي إلى متغيرات ذات بُعْد استراتيجي في لعبة الأمم، تدرك تركيا خطورتها وتبعاتها، ولكن متى كان الغريق يخشى من البلل؟.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
16/02/2017
4904