+ A
A -
بَعْض الناس، لأنهم يتحملون ويتحملون، قَدْ يُصَوِّرُ لكَ عقلُكَ أنهم لا يُحِسُّون.. وبالتالي؟! تَمْضي أنتَ في القسوة عليهم، وكأنهم حجارة وطُوب، وكأنهم بهائم، وتَنْسَى أنهم يُجْرَحُون..
تأثرتُ جِدّاً بحالة توتو، الضاحِك الباكي الذي أشارَتْ إليه منذ أيامٍ الكاتبةُ وداد الكواري (وهي كعادتِها تُقَدِّمُ لكَ بحرا مِن المعرفة في مقالات مَضْغوطة). توتو يُبْكي أصحابَ القلوب الْمُرْهَفَة التي تُشْبِه قَلْبَه، تُشْبِهُه في العَطاء والأخذ، فهو يُعْطِي كُلَّ شيء، يُعْطي البَسْمة، ولا يَأْخُذُ شيئا.
توتو هذا (تَقول الكاتبة) حَيَّرَ طبيبَه النفسي الذي أخفق في فهم ما يُعانيه، فنَصحَه بالتردد على فنان كوميدي يُضْحِكُ الجميع، ويُخَفِّفُ من إحباطهم، يُسمى توتو.. وكانت صدمةُ الطبيب كبيرة لَمَّا اكتشف أن المريضَ الذي يَقِفُ بين يديه وقد استعصى عليه تشخيصه هو توتو بعينه..
أتساءَل بإشفاق: كم مِن توتو لدينا في كل شارع وبَيْت؟!
هل لأنك تَرْسُمُ البسمةَ على الشفاه يَحسبُك الآخرون خشبا وحطبا؟!
هل لأنك تُطَيِّبُ جِرَاحَهُم لا يُفكرون مَرَّةً كَمْ مِن شخصٍ/ شيءٍ يُدْمِيكَ؟!
هل لأنك تتمادى في تَسَلُّقِ نخلةِ الصبر يَظنُّكَ الآخرُ قطعةَ رُخامٍ جامدةً أنتَ الذي تَقِفُ كَجِدَار وتَمُوتُ كالأشجار؟!
إعلامي لا أَذْكُرُه، في برنامج لا أَذْكُرُه، يَسْتَصْرِخُ متسائلا: «جَالَكْ جَلْطَة لِيهْ يَا حْمَار؟».. صادَفْتُه في اليوتيوب وهو يَتَحَسَّرُ على مصير حمار في زمن كَثُرَتْ فيه البهائم المكسورة بالجَرّ والاستغلال والاستغفال، البهائم التي تمشي على أربعة أَرْجُل والتي تمشي على رِجْلَيْن..
الفِعْلُ مَبْنِي! والفاعل مجهول! والبهيمة ما عليها سوى الانقياد، إلى أن تَتَمَرَّدَ بإعلانها العصيان عندما تُصيبُها جلطة..
حتى الجلطة تَسْتَكْثِرُها أنتَ على البهيمة («جالك جلطة ليه يا حمار؟»)!..
الحمار يَبْكي، ودموعه لا تُفارق عينيه..
عندما يبكي الحمارُ فإنه يبكي وجعا، ولا يجرؤ على قول «أَيْ».. لكنكَ تَقْرأ قصيدةَ دموعٍ (تَصِفُ حالةً يرثى لها) تَكتبها عيناه..
قد يَخونُنا التعبيرُ لِنَصِفَ حالةَ بهيمةٍ تسمى (تجاوزا) إنسانا.. يَخُونُنا التعبيرُ، لكنَّ لسانَ عَيْنِ البهيمة يَقْوى على التعبير بما يَكْفي..
الحمارُ كائن بَكَّاء، والبَكَّاءُ كائن حَسَّاس، والحَسَّاسُ كائن مغلوب على أَمْرِه ولا مَحَلّ له مِن الإعراب مثل تاء التأنيث الساكنة.
نَافِذَةُ الرُّوح:
«مِن عَرَّافٍ إلى عَرَّافٍ تَقِلُّ حُظوظُكَ يا قلبي في التجاوُب مع الحياة!».
«قُلْتُ لقطتي المسكينة الجاثمة تحت الليمونة: «كَفَاكِ انتظارا! لَنْ يَعودَ».. بعد أيام وَجَدْتُها تُغَادِرُنا بِلا رجعة مستسلِمةً لاكتئاب حادّ».
«أَطْلِقْ سراحي يا قَدَر.. مَوْت أَرْحَم مِنْ مَوْت!».
«الخَواء! الخَواء! الخَواء! وذَيْلٌ مِن الانكسارات يَجْلِدُني..».
«أَتَّفِقُ مَعَك يا غاندي، فسُقوطي هو أَجْمَل بدايةٍ لحياةِ آخَرِين!».
«وَيْلِي مِن ذاكِرَتي التي لا تُغَرْبِلُ.. كَمْ أنتَ رَحِيمٌ بِهِمْ يا سَيِّد زهايمر!».
«وَمَا بَيْنَ مَوْتٍ وَمَوْتٍ أَنُوءُ بِصَمْتِي.. (لَيْسَ رَدّاً على نِزار)».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
16/02/2017
6593