+ A
A -
ليس هناك عاقل يريد تصعيد الصراع المذهبي والعرقي بين العالم العربي وإيران، خاصة وأن المنطقة على مفرق طرق: فإما التسوية وإما الذهاب إلى جهنم.
نقول ذلك بمناسبة عرض الوساطة بين طهران وبين الرياض وحلفائها، الذي طرحه الرئيس اللبناني ميشال عون. ورغم قوله إن أحداً لم يكلفه بذلك، وإن المرء عليه أن يحاول، فإن من الواضح تماماً أن هذا العرض الذي يجيء بعد زيارته السعودية وقطر، لم يكن ليُقَدَّم في منأى عن رغبة إيرانية في جس نبض دول مجلس التعاون.
هذه «الصحوة» الإيرانية لا نعزوها فقط إلى قناعة مفاجئة لدى طهران بوقف عدوانها على العرب في «كذا» دولة عربية، لكننا نردها بالأساس إلى تهديدات دونالد ترامب الجدية والقاسية للإيرانيين، الذين يرى أنهم «زادوها»، حيث أصروا على نشر نفوذهم وبَصْمَتهم على الشرق الأوسط الكبير. أرغى الرئيس الأميركي الجديد وأزبد، ما دفع عدداً من المسؤولين الإيرانيين إلى التحدث بلهجة إيجابية عن السعودية وعن ضرورة التعاون معها.
وجاءت «كلمة السر» على لسان نعيم قاسم نائب نصر الله عندما قال إن «تعاون دول الخليج مع إيران قوة للمنطقة وأمنها»، مما يوحي بأن العرض اللبناني الرئاسي موعز له من أعلى هرم القيادة الإيرانية.
لا نريد أن «نخط على العين» أو أن نسعى لتعطيل مهمة عون التي لم تنل بعد مباركة الأطراف المعنية، لكن «تحالف الأمر الواقع» القائم بين الرئيس اللبناني وحزب الله، هو ذاته الأمر الواقع الذي أجبر لبنان الرسمي على تجنب انتقاد إيران أو التضامن مع الدول العربية. وكان من شأن وقوف بيروت لأول مرة خارج دائرة الإجماع العربي في القضايا الحساسة، كسوريا والعراق واليمن، وإيران بالطبع، أنه أعطى السعودية العذر والمبرر لإلغاء منحة الثلاثة مليارات دولار للجيش، وإنهاء التعاون مع بيروت، مما انعكس على الخليجيين الذين أوقفوا التصييف في لبنان.
وكان من الطبيعي والمفهوم أن تضع الرياض حزب الله على قائمة الإرهاب، وأن ترفض الحجة القائلة إن سلاح الحزب ضمانة لأمن لبنان، غير أن عون الذي طبَّع العلاقات مع الملك سلمان وأعاد المياه إلى مجاريها، يريد الآن صفقة كاملة تخلص لبنان من مأزق «الولاء المزدوج» للسعودية وإيران، وتضع الرياض وطهران على بداية الطريق نحو الانفراج ومائدة الحوار.
منظرو حزب الله قللوا انتقادهم للسعودية في الآونة الأخيرة. أما منظرو البيت الأبيض فقد فضلوا التحالف الأميركي مع السعودية وليس مع إيران، بعكس أوباما الذي اختار طهران على حساب الرياض.
بغض النظر عن تحفظات أو مبررات هذا الطرف أو ذاك، فإن شلال الدم وحجم الدمار، وصلا إلى حد كارثي غير مسبوق، وأصبح مطلوباً التراجع عن المغامرات والاستفزازات، وفتح الباب أمام المفاوضات، التي أعتقد صادقاً أن الكل بات يريدها الآن.
بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
14/02/2017
2248