+ A
A -
من الأقوال المأثورة التي تفوه بها نابليون إن: «الجيوش تزحف على بطونها»؟ فليس بوسع قائد عسكري أن يامر قواته بأن تحارب بعد أن تراقب وتخطط وتدبر إلا اذا امتلأت بطون هؤلاء الجنود، ومن قولة نابليون هذه تم استيلاد قول مأثور آخر مفاده أن «الشعوب كالأفاعي تزحف على بطونها..فإذا خلت بطونها، امت?ت أفواهها بالمرارة وقلوبها بالحقد وأيديها بالس?ح تقتل بعضها»، وفي زمن كزمننا لم يعد كافيا أن تمتلئ بطون الجنود أو الشعوب، بل الأهم مذاق الأطعمة والوجبات التي تملأ بطون جنود الجيوش وايضا الشعوب.
الأميركيون، وبالخصوص ملاك مطاعم مكدونالدز وكنتاكي ومصانع مشروبات الكولا بخلطتها الأميركية المنعشة اللذيذة، أدركوا ذلك، وبوجباتهم ومشروباتهم هذه غرسوا بذور الغضب والثورة في نفوس شعوب الامبراطورية الحمراء المترامية الاطراف سابقا والتي كانت مسماة «الاتحاد السوفياتي»، وبلغ عشق الروس لهذه المطاعم وتقديرهم لها درجة انه كان من المعتاد إقامة حفلات زفاف في المكان صاحب العلامة الأميركية الشهيرة.
التطور الطبيعي انه كان يتعين على الروس أن يدخلوا حلبة السباق مع الأميركيين في عالم الوجبات السريعة اللذيذة، وان يقتنعوا بأن منافستهم الضروس مع الأميركيين لا يجب أن تقتصر على التسليح النووي والكيميائي والصاروخي، بل لابد أن تشمل هذا العالم، لاستعادة بطون الروس التي ملأها الأميركيون بالهامبرغر والكولا، وليلتهم الروس وجبات جديدة من ابتكار نخبة من أهم الشيفات في بلاد القياصرة، وليقدموا نوعا جديدا وجذابا ولذيذا ومبتكرا من الوجبات السريعة، فلا معنى لتطوير خواص «السوخوي» و« الميج» و«الانتنوف» الروسية، طالما أن الأميركيين يغزون بلادهم بالبرغر والكولا.
منطقتنا العربية من جانبها لم تفلح كذلك في منافسة الأميركيين، فلا يمكن أن ننافس البرغر بالفلافل أو الفول المدمس أو حتى الكبة، وعلى الرغم أن بلداننا العربية محاطة بأهم أربعة مطابخ في العالم: التركي والايطالي والإيراني والهندي، الا أن أذهان الشيفات العرب لم تتفتق عن إنتاج منافس جديد ومغاير للهمبرغر الأميركي.
ربات البيوت العربيات، والمتخصصات في الطهي منهن لم يستثمرن في توظيف التمر على سبيل المثال في إنتاج انواع من الحلوى اللذيذة والجديدة نغزو بها أميركا وروسيا وكندا وكل دول اسكندنافيا.
فبلداننا العربية بها مئات الملايين من أشجار النخيل، والتمر الذي يزرع في بوادينا وواحاتنا لا مثيل له في العالم، وكان يمكننا أن نبعث دفئا في اوصال الشعوب التي تعيش شتاءاتها في حضن الجليد، بتقديم حلوى مبتكرة من التمر تتحول إلى حرارة في الابدان، ولتكون أمة العرب ليست فقط المصدر الأهم في العالم لطاقة الوقود الأحفوري والغاز، بل وأيضا مصدرا لطاقة التمر الذي يغني الاوروبيين عن احتساء الخمر بدعوى أهميته الشتوية في تدفئة الأبدان، ومن ثم يكون التمر العربي الجميل الضلع الثالث في مثلث الطاقة التي يحتاجها العالم: بترول وغاز وتمر، وإن نجحنا في ذلك سيتحول النخيل إلى رافد اقتصادي بالغ الاهمية في عالم صار يرتجف بردا في شتاءات يهطل فيها الجليد بغزارة.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
14/02/2017
3088