+ A
A -
ذكرت في مقالي السابق كيف غضب زميلي المرحوم منتصر الديسي لقيامي بإرسال مادة إلى صحيفة الوطن دون التنسيق بيننا كما اتفقنا مسبقا رغم أنه هو من كان خارج غرفته طوال اليوم ورغم محاولتي الفاشلة للوصول إليه.

كان الأمر يتعلق بتغطية لاحتفالات شعبية في تكريت بمناسبة احتفالات العراق بعيد ميلاد صدام حسين، وقد تحدث خلال تلك الاحتفالية بعض المسؤولين العراقيين عن إصرارهم على كسر الحصار، لذلك عذرت زميلي منتصر وقررت الاتصال بصحيفة الوطن والطلب من زملائي هناك تأجيل نشر المقال ليوم واحد رغم ان الساعة كانت تجاوزت الـ 12 والنصف ليلا. عاودت الاتصال بالزميل منتصر لأشرح استحالة تحقيق طلبه واكدت له ان الموضوع ليس مهما جدا وان أحدا لن يعاتبه لعدم نشر الخبر فلم يقتنع، وواصل اتهامي بعدم احترام الاتفاق المبرم بيننا، وفي فورة انفعال وجدتني اقول له ساخرا: «يا أخي هذا مجرد عيد ميلاد لم يحضر صاحبه ليطفئ الشموع.. سحقا لعيد ميلاد سيفرق بين زميلين!!».

صمت الزميل منتصر للحظات.. ثم قال لي بصوت متلعثم: لو سمحت لا داعي للسخرية من هذه المناسبة العظيمة، السيد القائد لا يحتفل بعيد ميلاده، بل شعبه هو من يحتفل لتأكيد عدم نيل الحصار من عزيمته وليس ليطفئ الشموع. قبل ان يغلق السماعة في وجهي!

للحظات احسست ان الدنيا كلها تدور بي.. وادركت انني ارتكبت خطأ عظيما فقلة خبرتي وصغر سني دفعاني لقول كلام قد أدفع ثمنه غاليا، فأنا موجود في بغداد المحاصرة في ظرف عصيب وفي فندق مليء بالصحفيين الاجانب، والمكالمة حتما كانت مسجلة!!

وكان رد فعلي الأولي ان جلست على سريري وتدثرت باللحاف منتظرا ان يأتيني عدة اشخاص تخيلتهم ضخام الجثة ليطلبوا مني مرافقتهم بهدوء!!

مرت 4 ساعات عصيبة كانت اطول 4 ساعات تمر علي في حياتي وكنت كلما سمعت صوت أقدام خارج الغرفة أقفز من السرير وأنظر من العين السحرية لأتأكد من القادم.

بحلول الخامسة فجرا لم أعد قادرا على تحمل الضغط العصبي، فلعلهم يريدون القبض علي خارج الفندق لعدم لفت الانتباه أو هكذا قدرت..عندها قررت أن «أشرد» وبالفعل أعددت خطة في لحظات وطبقتها، اصطحبت معي كيسا صغيرا فيه أهم حاجياتي وخرجت إلى الشارع، ولحسن حظي وجدت سيارة أجرة حديثة نسبيا فاستوقفت صاحبها وقلت له كلمتين: عمان الآن..

قالي لي انه يستطيع اخذي بعد ساعة لان لديه مشوارا فسألته كم الاجرة، اجاب 100 دولار، قلت 200 وعمان الآن!!

في عام 2004 أي بعد سقوط بغداد التقيت بفندق شيراتون الدوحة على هامش القمة الإسلامية شابا عراقيا من وزارة الاعلام كان مسؤولا عن الصحفيين في فندق فلسطين الذي كنت أقيم فيه، وبقي في منصبه بعد تغيير النظام، فاخذني بالاحضان وسألني عن سر اختفائي المفاجئ فرويت له ما حدث، فضحك ملء شدقيه وقال: على الارجح كانت تلك المكالمة مسجلة، ويبدو انك محظوظ لأن من كان مسؤولا عن طابقك في الفندق كان نائما وقتها على ما يبدو!!

حمدت الله على ما حدث وشكرت في قرارة نفسي الزميل منتصر الديسي فلولا ردة فعله لكان للقدر ربما- رأي اخر!



بقلم : لؤي قدومي

copy short url   نسخ
11/05/2016
2257