+ A
A -

عندما أعلن بنيامين نتانياهو من لندن يوم الاثنين الماضي رفضه حل الدولتين، يكون قد دشن دولة «الأبارتيد» رسمياً على غرار جنوب إفريقيا، لينتظر أصحاب الأرض الفلسطينيون «مانديلا رقم 2»، القادم لا محالة في وقت ما لن يكون بعيداً جداً.
وإذا كنا قد لمسنا قدراً هائلاً من الذكاء لدى دونالد ترامب، خصوصاً عندما أثبت لنا كم هو عازم على إزالة البصمة الإيرانية التوسعية عن الشرق الأوسط، وكم هو حانق على احتلال إيران للعراق، فإننا نتطلع باستغراب ودهشة تجاه التزامه الصمت المريب حول القضية الفلسطينية، ومراهنته الواضحة على حصان خاسر هو إسرائيل التي سيرتطم رأسها بالجدار جراء سياسات نتانياهو الحالمة والمتهورة.
وعندما يقرر ترامب ومساعدوه عدم الرد على اتصالات محمود عباس المتكررة، فإننا لن نتحدث هنا عن اللياقة الدبلوماسية التي لا يتقنها رجل أعمال شرس كدونالد ترامب، فآخر ما يهمنا هو تجاهل الرئيس الأميركي الجديد لعباس، ذلك أن سياسات الأخير المتخاذلة والمتهاونة والضعيفة هي المسؤولة عن إذلاله والاستهزاء به من طرف الإدارة الحالية، وغيرها.
وإذا كان الرؤساء السابقون يحرصون، ولو من باب ادعاء النزاهة والعدالة، على دعوة قادة إسرائيل وفلسطين إلى زيارة واشنطن بعد توليهم الرئاسة، فإن ترامب الذي يقفل الهاتف في وجه أي كان، لا يعتبر عباس نداً له بل ويعتبره هو وأي فلسطيني أو مسلم دون مستوى البشر ذوي البشرة البيضاء بماضيهم الامبريالي المستعبد للشعوب الأخرى.
لذلك فإن تجاهله التام للطرف الفلسطيني الرسمي يشي بنوايا سيئة تتلخص في مبايعة «قانون شرعنة الاستيطان» أي سرقة فلسطين - بالكامل - وفي بدء إجراءات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
مثل هذه المواقف التي تُذكرنا بتشجيع لندن لحكومة بريتوريا العنصرية حتى آخر لحظة، تكشف ضعفاً في الاستشراف، وتُفَعِّل مباركة واشنطن لقانون اللصوصية المذكور، وتستعدي العالم الإسلامي الذي يجل القدس، خاصة بعد أن أكدت أبحاث اليونسكو المحايدة والنزيهة أنه لا صلة تاريخية لإسرائيل بالمدينة أو «جبل الهيكل أو حائط المبكى» المزعوم. ولا نستغرب في هذه الأجواء المحملة بالظلم والتوتر تنامي العمليات الفدائية على غرار عملية «بتاح تكفا» أمس الأول، وتصاعد النشاط الإرهابي ضد مصالح الغرب وإسرائيل.
وفي الواقع فإن الاستنكارات والتنديدات لا تُجدي، وكذلك استجداء عباس إجراء مفاوضات مع إسرائيل، فالذي يُجدي بعد أن أعلن نتانياهو نهاية اللعبة، هو أن تقرر محكمة الجنايات الدولية مصير حكومة الأبارتيد الرسمية في إسرائيل. فهذه مهمتها وواجبها مع ضرورة أن تسهل السلطة ذلك وألا تخضع لتهديدات واشنطن بقطع المعونة.
وكما قال جدعون ليفي: «وراء الجريمة يوجد مجرمون»، مضيفاً في سخرية لاذعة: تخيلوا لو أن نتانياهو اعتقل في لندن وليبرمان في منسك. وتخيلوا نفتالي بنيت يتقلب على فراش السجن، وقائد الجيش يخشى أن تهبط طائرته في باريس خشية أن يُعتقل.
هؤلاء الذين يتصورون أنهم أصبحوا على قمة العالم، تُطاردهم جرائمهم حتى في نومهم. ومن يؤسس نظاماً عنصرياً قبيحاً، يجب أن يكون مسؤولاً عن تصرفاته.. وأن يدفع الثمن.
copy short url   نسخ
11/02/2017
1693