+ A
A -
تنافس الإعلاميون والكتاب والمحللون،في تبيان خلفيات وأبعاد وتداعيات عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، مبرزين رهاناتها وسياقاتها.
لكن الفارق لم يصنعه تناول النخب واهتمام الإعلام وسيولة التغطيات وتعاقب التعاليق. الفارق أحدثه تملك المغاربة للحدث.
المغاربة الذين تمثلوا الحدث،بعض النظر عن أبعاده في الواقع وحجمه في التاريخ،كمعركة وطنية حقيقية،وقاربوا المسألة بشحنة واضحة من الانخراط العاطفي والالتزام المبدئي.
فعلوا ذلك وهم يتابعون مجريات قمة «أديس أبابا» بكثير من الانفعال واليقظة والتوثب،وفعلوا ذلك وهم يحولون انعكاسا بسيطا لشعاع ضوء على خد الملك إلى دمعة خيالية من وحي نصر مستحق،وفعلوا ذلك وهم يعبرون عن فرح صادق بمكاسب قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة،كدليل على انتماء عميق.
لم يدركوا جميعهم تفاصيل الحدث وخلفيات ووقائعه وتعقداته،لكنهم قدروا بحس سياسي فطري،ان الملك هناك في تلك العاصمة البعيدة يخوض شخصيا معركة ديبلوماسية صعبة،وأنهم جميعا معنيون بمجريات المعركة وبعنوانها الكبير: المغرب.
هل كان الأمر مجرد رجع صدى لتعبئة سياسية موجهة من فوق؟.
لا نعتقد ذلك. فمنطق» الحملات» الرسمية والموسمية لا يستطيع اليوم بالضرورة حشد رأي عام مساند،هذا اذا لم تنتج هذه «الحملات» النمطية والفاقدة الخيال عموما مفعولا معاكسا.
البعض انتبه إلى متغير السياق الدولي المحفز والمتميز بانبعاث فكرة «الوطن»،داخل دينامية ترتبط بتصاعد الهويات المحلية، وبالسياسات الحمائية وبلغة المصلحة الوطنية أولا،و بعجز العولمة في تنميط السياسة والثقافة والجغرافيات،و أفول التنظيمات فوق القومية.
حيث أننا مطالبون اليوم،أمام هذه الحالات المتواترة من إنتعاش حرارة الانتماء الوطني،بتعضيد عناصر المشروع المشترك المستند على القيم الجامعة: الحرية والمساواة والتضامن،هذه القيم التي لابد لانصهارها من إسمنت الديمقراطية الضامن ارادة العيش المشترك.
للأمر وجه آخر،ذلك ان دروس التاريخ تبين كيف أن انتصارات الخارج من الممكن أن تشكل اغراءا للسلطة لاحتكار حجة «الوطن» في حسابات السياسة الداخلية وتقلبات موازينها،ولاستعمالاتها في استراتيجيات تهميش مجال السياسة وتبخيس الشرعيات الصاعدة من المجتمع ومحو صوت الإرادة الشعبية، لكن هذا الممكن في التاريخ لا يبدو افقا مغربيا قريبا،هنا والآن،ليس لان المعادلة المغربية جعلت من قضيتي الوطن والديمقراطية مترادفتين ومتداخلتين، وليس لأن الديمقراطية هي إحدى عناوين الزمن الإفريقي الذي نعود إليه،بعد صفحة الديكتاتوريات والانقلابات والعسكرتارية وسطوة الايديولوجيا،ولكن بالأساس لأن المغرب لا يمكن أن يعبث بمسار طويل من الإصلاح والتوافقات والتراكم.
بكلام آخر، فإن المرحلة تستدعي استعارة المقولة المعبرة: إن السياسة الداخلية الناجحة هي شرط محدد لنجاح السياسة الخارجية.

بقلم : حسن طارق
copy short url   نسخ
10/02/2017
6207