+ A
A -
رأيتهم، سمعتهم، تابعت وقع خطواتهم، وعلى مدى سنين وهم يزورون وزيرا احترمهم فاحترموه فلم يملوا، حثوا الخطى ولم تكل أياديهم من طرق باب مجلسه صباح مساء.. ولا يجدون غضاضة في أن يذهبوا لوداعه اذا علموا بموعد سفره.. وأن يكونوا في مقدمة المستقبلين اذا علموا بموعد عودته.. كلهم أجمعوا على أن «الوزير كان يرى نفسه خادما للمنصب لا المنصب خادما له» فملك قلوبنا وبتنا جميعا نعمل بتفان لنخدم مناصبنا ومن زرع فينا حب خدمة الوطن..

ذهبت لأزوره.. فوجدته يجلس وحيدا في مجلسه.. قام من مجلسه ورفع يديه مرحبا فنظرت خلفي لأنه كنت حين أزوره وهو مدير إدارة يغلق الباب ويقول لسكرتيره.. المدير غير موجود.. صافحته قبلته.. قلت له: أزورك وأصارحك، ليس حبا فيك، لكن لأرى أثر معاملتك للناس وانت في الإدارة.. ابتسم وقال.. أتمنى أن أعود شهرا للوظيفة لألغي تلك الشخصية التي كونها الناس عن ابو فلان..
أبو فلان.. كان إذا دخلت إلى مكتبه - هذا اذا سمح لك سكرتيره بعد مشاورته - يرمقك بنظرة استهزاء وتحقير وتصغير ويطالعك من رأسك إلى قدميك، فإذا اعجبه منظرك يقول لك اجلس وبعنجهية.. ليسألك: ماذا تريد؟ وحين تفصح له ما تريد ينادي سكرتيره ويقول له شوف موضوعه وأرسله لمراجعة أبوعلان.. وابو علان خريج مدرسة ابو فلان..
تغادر وتحلف ألا تزوره.. ولن تكون وحدك من أقسم هذا اليمين..
رجل كان له هيبة وبمجرد ذكر اسمه تشعر بالرعب.. وحين أبعد أو استقال أو تقاعد.. كان مجلسه فارغا إلا من ساقي القهوة..

سألت مديرا نجح في إدارته وحققت مؤسسته أرباحا رغم الركود فقال: موظفوك هم ثروتك.. اعطيهم الحرية ولا اقيدهم، احاسبهم في نهاية الدوام وليس في بدايته.. وكان سؤالي ماذا انتجت؟ ومن هنا كان السعي لتقديم انتاج عالي الجودة.. واذا وجدت موظفا يعاني في خط انتاجه أخيره بين خطوط الانتاج فيخار ما يرى أنه يبدع فيه..

كانت طريق عملي في الكويت تمر من أمام قصر السيف أو قصر الحكم وكنت أقرا صباح كل يوم الحكمة التي وضعها المغفور له الشيخ عبد الله السالم على مقدمة القصر تقول «لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك» وكان يريد أن يقول لكل من وصل إلى منصب: منصبك زائل ولا يبقى إلا عملك..
نبضة أخيرة
الطيبة طبع.. والطيبون المطبوعون بالطيبة ييسر لهم الله أهل الطيب والشر طبع !!.
بقلم : سمير البرغوثي
copy short url   نسخ
09/02/2017
968