+ A
A -
لا بد من الاعتراف بأن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض هو أهم علامة حتى الآن على أننا في قلب الصراع الحضاري بين الغرب والإسلام، وهو صراع سعى كثير من المؤرخين والمحللين إلى إنكاره، منذ المحطة الكارثية التي تمثلت بهجمة 11 سبتمبر «2001»، ثم تضاعف عشرات المرات بعد غزو العراق وأفغانستان، وما نتج عنه من «ربيع عربي» مأساوي، ورسوخ الإرهاب على صورة «جهاد» مشوه في أحسن الحالات، وتَطَرُّف ديني ومذهبي تمترس بين المسلمين وتحول إلى حروب وحشية لا نرى نهاية لها بعد.
ولم يكن سهلاً ولا من باب الصدفة أن يتحدث ترامب علناً عن «الإرهاب الإسلامي» كما لو أن الدين ذاته هو المفضي إلى القتل والدمار، وهو وصف كررته المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، مما اضطر الرئيس التركي إلى التصدي لها وتذكيرها بخطورة ما ذهبت إليه. غير أن ما ذهب إليه ترامب وميركل يؤمن به بعمق، ملايين الغربيين الذين عبروا بوسائل شتى كالرسوم المسيئة للإسلام والكراهية التي تتجذر في أوروبا وأميركا لكل ما يمت للدين الإسلامي بصلة.
ولفت انتباهي أمس ما قاله مراقبون في نيويورك، من أن ما تشهده الولايات المتحدة الآن على خلفية المفاهيم الانقلابية التي جاء بها ترامب، يمثل تعبئة ضخمة لم يسبق لها مثيل منذ التظاهرات الكبرى الرافضة للحرب على العراق عام «2003».
تلك الحرب ــ الغزو ــ كانت أساس البلاء، أما الذي يعتري المجتمع الأميركي من انقسام خطير بعد قرارات ترامب وتصريحاته ضد المسلمين والأجانب والمهاجرين، وضد المرأة والمثليين أيضاً، فهو يمهد الأرضية لتمدد هائل في الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب، مع ملاحظة أن نتانياهو نفسه لم يجرؤ على وصف الإسلام بالإرهاب، مكتفياً بالقول إن هناك فقط إرهابيين مسلمين، كما هو الحال فعلاً.
ويؤكد ساسة مطلعون في واشنطن أن حالة الانقسام المجتمعي في أميركا ستستمر طويلاً، وسط اصطفاف نصف المواطنين في الولايات المتحدة وراء ترامب، ووقوف النصف الثاني ضده، كما قال استطلاع للرأي مع بداية عهد الرئيس الجديد.
غير أن دراسة مشتركة نشرتها جامعات كبرى في أميركا، وجدت أن المجتمع ينظر إلى المهاجرين من المسلمين والمكسيكيين على أنهم من طبقة دنيا، مما قد يدفع أفراد هذه الفئات نحو العنف وعدم التعاون مع السلطات في إطار مكافحة الإرهاب، بل وممارستهم هم أنفسهم عمليات إرهابية.
هذه الدراسة التي تضمنت استطلاعاً شمل مائة ألف أميركي، أظهرت أمراً في غاية الخطورة وهو أن معظم الأميركيين البيض يصنفون المسلمين والمكسيكيين في خانة «البشر الأكثر بدائية». والأخطر أن الدراسة استنتجت بأن غالبية الأميركيين الذين يمتلكون هذه النظرة هم من مؤيدي ترامب.
أوليست هذه المؤشرات والمعلومات، أدلة ملموسة على أن صراع الحضارات قد أصبح بيننا، وأنه صراع ديني وعرقي وعنصري يتعلق حتى بلون البشرة، كما كان عليه الوضع حتى أواسط القرن العشرين؟!!

بقلم : مازن حماد
copy short url   نسخ
09/02/2017
1075