+ A
A -
ينشغل العالم ومعه العرب والمسلمون بتصريحات وإجراءات الإدارة الاميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب. هذا الانشغال اخذ يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمامات في الاعلام وحتى على المستوى السياسي. بالطبع الانشغال متشعب من حيث الموضوعات وتحدده تصريحات وافعال الرئيس ترامب بشكل رئيسي. فالرئيس استطاع ان يحتل نشرات الاخبار الأولى في كل المحطات الاميركية الداخلية والدولية، كما احتلت تصريحاته والقرارات التي اتخذها خلال أسبوعين فقط في البيت الأبيض المساحات الأولى من الاخبار في وسائل الاعلام الأجنبية في اللغات المنتشرة عبر المعمورة.
بالطبع طبيعة الاهتمام والانشغال الصحفي مختلف من مجتمع إلى آخر. هذا التفاوت متعدد الأسباب فمنها ما يعود إلى الدفاع عمّا بقي من الديمقراطية والمؤسسية والحقوق، ومنها ما هو متعلق باقصاء المؤسسات، ومنها ما هو متعلق بطبيعة التأثيرات على الولايات المتحدة بشكل خاص لا سيما ما يتعلق بمكانتها في العالم كقوة عظمى. بالطبع غير بعيد عن ذلك استثمار اعلامي كبير في ما يجري، فوسائل الاعلام لا سيما الاميركية منها والتي تهتم كثيراً بالإعلانات التجارية تبدو في وضع مثالي من حيث المتابعة الجماهيرية الواسعة لما يطرح من تطورات مشفوعة بالتحليلات والمتابعات الإخبارية.
ثمة تركيز في المتابعات الإخبارية على أن اميركا تدخل عصراً جديداً بسبب دخول ترامب الرئيس الذي لم يمارس السياسة، وأن انعدام الخبرة سبب لتعدد الازمات التي بدأ بها رئاسته والتي يبدو أنها بلا نهاية. ربما هذا فيه قدر من الصحة، لكن هذا ليس كل الحقيقة. لقد دخلت الولايات المتحدة منذ العام 2001 حيث وقعت هجمات سبتمبر على واشنطن ونيويورك، مرحلة مهمة بحيث تم التأسيس أن الاخر وهو الإسلام وبعض أهله هم ضد القيم الاميركية، وان ما يحدث انما هي حرب قيم تستدعي من الولايات المتحدة إعادة النظر في مساحات التسامح في فضاء القيم الاميركية، استدعى هذا الامر تصنيف المسلمين حسب اوطانهم وجنسياتهم، طلب الكثير من المعلومات والتفاصيل عنها وعما حولهم وصلت إلى مراحل الخصوصية، كما شملت في ذات الوقت مراقبتهم والتجسس عليهم في الولايات المتحدة، وفتح معتقل غوانتانامو سيئ الصيت.كما شملت هذه الاجراءات فرض مراقبة على الاماكن والأنشطة والأشخاص المسلمين في الولايات المتحدة. بالطبع انتقد الكثيرون آنذاك تلك الإجراءات ووصفت انها متعارضة مع القانون ومع حقوق الإنسان، لكن ذلك لم يكن يعني إيقاف العمل بها، وتحت مظلة الأمن القومي استبيحت حياة المسلمين في الولايات المتحدة وفي خارجها.
التذكير بمثل تلك الاجراءات ضروري حتى لا يتم اقتطاع الاحداث خارج سياقاتها، حيث يتم وضعها في قوالب تبدو منفصلة، لكنها في الحقيقة مترابطة وتعكس سلوك الدولة واولوياتها بغض النظر عن الإدارة. ان أولوية الأمن وسيطرة فكرة الاستهداف من قبل تيارات دينية والتركيز الإعلامي عليه خلال أكثر من ?? عاماً ساهم في التبرير لوضع سياسات محورها الأمن حتى ولو تناقضت مع حقوق الإنسان وكرامته.
يبدو واضحاً بالنظر إلى سياق التطورات السياسية في أميركا منذ العام 2001 أن دونالد ترامب ليس الا أحد منتجات ذلك الضخ الإعلامي وتقديم كل الاخر بطريقة سلبية، وهو في الحقيقة ما ساعد ترامب كثيراً في الفوز. من هنا لا يجب النظر إلى ما يحدِث الا في على انه فصل في كتاب التحول الذي شهدته الولايات المتحدة منذ العام2001.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
08/02/2017
4450