+ A
A -
منذ سقوط المخلوع بن علي واندلاع سلسلة الثورات العربية بصورة متتالية شكلت الثورة السورية موضوعا خلافيا في الساحة السياسية التونسية. وبشكل عام يمكن القول أن القوى المؤيدة للثورة التونسية قد انحازت بمجملها لحراك الشعب السوري ومطالبته بالحرية.
وقد تجلى هذا الأمر في مواقف تونس السياسية زمن حكم الترويكا بوجود المنصف المرزوقي في الرئاسة خاصة مع دعواته المتكررة لدعم الثورة السورية إعلاميا وتأييد مطالبها العادلة في الحرية والعدالة.
ومن المعلوم أن أول مؤتمر للمعارضة السورية انعقد بتونس في شهر ديسمبر 2011 ولم تكن حينها الثورة قد اتخذت منحاها المسلح والفصائلي بشكله الحالي، وبعدها وفي شهر فبراير 2012 وبإشراف الرئيس السابق المنصف المرزوقي تم تنظيم مؤتمر أصدقاء سوريا حيث أكد الرئيس التونسي حينها على ضرورة تجنيب الشعب السوري مخاطر الحروب والفوضى والدمار مجددا رفضه التصعيد العسكري سواء بتسليح جزء من الشعب السوري أو بتدخل عسكري أجنبي من أي طرف كان. داعيا بشار الأسد إلى ترك منصبه لنائبه ليقود مرحلة انتقالية تشارك فيها المعارضة وتنتهي إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وديمقراطية تعيد الاستقرار لسوريا.
غير أن تصاعد الحملات الإعلامية وتطور المشهد السوري نحو نزاع مسلح واحتلال روسي- إيراني أثار انقساما فعليا في توجهات الرأي العام أو على الأقل هذا ما كان يبدو عليه الأمر. فقد وجد أنصار النظام السابق بالإضافة إلى بعض المجموعات الحزبية الصغيرة المنتمية إلى أقصى اليسار أو القوى القومية الفرصة من اجل تشويه الثورة السورية وتحميل معارضي النظام كل الجرائم ضد الإنسانية التي حصلت في البلاد. وقد كان من شعارات الحملة الانتخابية للرئيس الباجي قائد السبسي إعادة العلاقات مع سوريا التي تم تعليقها أثناء تولي الرئيس المرزوقي منصب الرئاسة.
لقد كان المشهد العام والضخ الإعلامي المتواصل بالإضافة إلى سياسة التجييش التي مارستها إيران عبر وكلائها المحليين وشراء ذممهم يوحي بتحول في توجهات الشعب التونسي نحو دعم ممارسات نظام بشار الأسد الإرهابية ومن هنا كانت المفاجأة كبيرة لأنصار النظام السوري عندما كشف سبر آراء أجراه مكتب ELKA CONSULTING أن أكثر من 60 بالمائة من التونسيين لا يساندون نظام بشار الأسد وأن نسبة المؤيدين لا تزيد على 4 فاصل 5 بالمائة فيما يلتزم البقية الحياد. ويمكن تفسير هذه النتائج بعاملين أساسيين أولهما رفض الوجدان الشعبي التونسي لكل أشكال العنف الذي تمارسه الأنظمة فما بالك أن تكون نتيجة سياسات هذا النظام مجازر بشعة تستهدف الأطفال والنساء ومن جهة أخرى فإن الشارع التونسي لم يعد يبرر بعد ثورته نمط الحكم الاستبدادي المطلق مهما كان الشعار الذي يحاول به أصحابه تبرير استبدادهم به.
وبالفعل فإن نظرة صغيرة لنتائج الانتخابات السابقة تكشف أن القوى القومية وهي الأشد تطرفا في دعمها لبشار لم يتجاوز عدد مقاعدها في مجلس النواب الثلاثة مقاعد وقد حصلت عليها بفضل قانون أكبر البقايا أي أنها وصلت إلى المجلس عبر أقل عدد من الناخبين. وفي المقابل فإن الرئيس الباجي قائد السبسي ذاته الذي كان أثناء حملته الانتخابية يتحدث عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري ظل مترددا في اتخاذ هذه الخطوة لإدراكه أن النظام في سوريا لم يعد يمثل فعليا الدولة السورية.
إن مؤيدي النظام الاستبدادي السوري في تونس يشكلون أقلية نافذة في الإعلام ولكنها تفتقر إلى الامتداد الشعبي وهي تكتفي بترديد الشعارات المكررة ذاتها التي مجتها أسماع التونسيين فليس من الممكن لشعب أطاح بطاغية أن يجد نفسه اليوم مؤيدا لآخر فالتونسيون أدرى بكوارث الطغيان ولا يمكن التلاعب بعقولهم مهما حاولت وسائل الدعاية المؤيدة لنظام بشار أن تؤثر عليهم مستخدمة أساليب الإغراء والشراء والتشويه وقلب الحقائق.
بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
07/02/2017
4663