+ A
A -
صحيح أن كل دول الخليج، دون استثناء، قدمت شهداء كثر على دروب الحرية والاستقلال أولا، ثم في حروب الدفاع عن فلسطين، ثم في حرب تحرير دولة الكويت الشقيقة، وأخيرا في حرب إعادة الشرعية لليمن، إضافة إلى من سقطوا من خيرة جنودها في المواجهات الأمنية مع متطرفي تنظيمي «القاعدة» و«داعش» والتنظيمات المسلحة الأخرى المدعومة من النظام الإيراني. لكن الصحيح أيضا هو أن دولة الإمارات تبقى في مقدمة الدول الخليجية التي تم استهداف أبنائها المدنيين في زمن السلم.
ففي عام 1977، وتحديدا عند الساعة الحادية عشرة من صباح الثلاثاء 25 أكتوبر من ذلك العام، تجرأت يد آثمة تابعة لمجموعة «أبونضال» الفلسطينية المجرمة فاغتالت وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات الشهيد سيف بن غباش أثناء توديعه لوزير الخارجية السوري الأسبق عبدالحليم خدام في مطار أبوظبي.
هذه الجريمة النكراء، هزت العالم العربي لأنها كانت المرة الأولى التي تلجأ فيها تنظيمات فلسطينية مسلحة إلى استخدام أراضي الإمارات المسالمة والداعمة بقوة لحقوق الشعب الفلسطيني في تصفية صراعاتها وخلافاتها. ومن جانب آخر كان مبعث السخط والاستنكار هو أن الوزير الشهيد كان طوال مسيرته الدراسية والمهنية من أشد المنافحين عن القضية الفلسطينية، فكانت بالفعل مفارقة صادمة أن يسقط الرجل بيد واحد من الذين انتصر لقضيتهم ودافع عن حقوقهم.
وفي 23 سبتمبر 1983 أقدمت نفس الجماعة الفلسطينية المجرمة على عمل آثم آخر تمثل هذه المرة في تفجير طائرة مدنية تابعة لشركة طيران الخليج، وذلك بوضع حقيبة ملغمة داخل منطقة الشحن. فانفجرت الطائرة في الجو وسقط حطامها في موقع صحراوي بالقرب من مطار أبوظبي الذي كان من المفترض أن تهبط فيه الطائرة القادمة من كراتشي عبر الدوحة. وقد أسفرت هذه الحادثة عن موت كل ركاب الطائرة وملاحيها البالغ عددهم 112 فردا، كان من بينهم بعض المسافرين الإماراتيين الأبرياء.
وبعد هذه الجريمة النكراء بستة أشهر تقريبا، وتحديدا في 8 فبراير 1984، عادت جماعة «أبونضال» من جديد لتستهدف بالاغتيال ابنا بارا آخر من أبناء الإمارات هو سفيرها الشاب لدى فرنسا الشهيد خليفة بن أحمد المبارك والذي اغتالته الجماعة المجرمة في وضح النهار أثناء عودته إلى منزله في باريس.
وتمضي الأيام لنصل إلى الرابع من مارس 2014 وهو اليوم الذي روى فيه الملازم أول طارق الشحي بدمه تراب وطنه الثاني البحرين، وذلك حينما سقط شهيدا مع اثنين من زملائه البحرينيين خلال تصديهم لفلول الإرهابيين في منطقة الديه بالمنامة، في إطار مهمة دعم الأمن والاستقرار في البحرين ضمن اتفاقية التعاون الأمني الخليجي المشترك. في هذا الوقت تقريبا كان جنود الإمارات البواسل يسقطون شهداء على أرض اليمن جنبا إلى جنب مع أشقائهم الخليجيين ضمن عمليتي «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل».
مؤخرا، وتحديد في 10 يناير 2017 قدمت الإمارات وجبة جديدة من الشهداء مكونة من خمسة من أبنائها الدبلوماسيين الذين سقطوا في قندهار الأفغانية التي ذهبوا إليها ضمن وفد لتقديم الدعم الإنساني والتنموي لشعبها المنكوب، لكن يد الخسة أبت إلا أن تقتلهم بعملية تفجيرية كعادتها، وتصيب معهم سفير الإمارات في كابول.
وسواء أكانت إيران وحرسها الثوري، أو حركة طالبان المقبورة، أو من يقفون مع الأخيرة ويدعمونها سرا من أجل طموحاتهم الاستراتيجية القديمة في بلاد الأفغان، هم الذين تلطخت أياديهم بارتكاب هذه الجريمة البشعة. وسواء أكان الهدف من ورائها هو إثبات عدم سيطرة حكومة الرئيس أشرف غني على كامل التراب الأفغاني، أو كان الهدف هو تحجيم الدور الإنساني لدولة الإمارات في أفغانستان، أو كان الهدف هو إبقاء هذه البلاد في حالة البؤس والتخلف والفوضى كي يسهل على الإرهابيين والمتشددين العودة إليها واستعادة نفوذهم بها كما كان الحال في عهدي المجاهدين والطالبانيين، فإن دولة الإمارات، مثلما قال قادتها، لن تثنها مثل هذه الأعمال الجبانة عن مواصلة دورها الإنساني تجاه المحتاجين والمنكوبين في كل مكان وزمان، وستبقى مرفوعة الرأس بين الأمم، فيما الذل والعار سيلاحق قوى الشر إلى الأبد.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
05/02/2017
4717