+ A
A -
«أَرِحْنِي من سجعك»، مقولة شهيرة قالها زياد والي البصرة لأبي الأسْود الدُّؤليّ... والقصّة أنّ أبا الأسْود وطليقته تخاصما في ابنٍ لهما أراد أخذه منها، فتحاكما إلى زياد، فأشار زياد إلى أبي الأسْود أن تكلّم، فقال: الولد لي، أنا حملته أولاً، وأنا أنزلته أولاً! فقالت المرأة: هو حمله خفيفاً وأنا حملته ثقيلاً، وهو أنزله شهوةً وأنا أنزلته ألماً! فالتفتَ زياد إلى أبي الأسْود وقال له: ادفعْ إليها ابنها وأَرِحْنِي من سجعك!
أبو الأسْود الدّؤليّ، هو ظالم بن عمرو بن سفيان الكنانيّ، وُلد قبل البعثة الشّريفة بثلاث سنوات، آمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يره، لهذا عُدّ في طبقات التّابعين، لغويّا فذّا، وفصيحا لا يُشقُّ له غبار، ربطته علاقة وثيقة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، شهدَ معه صفين وحرب الخوارج، وعيّنه على قضاء البصرة ثم على إمارتها، وأوكلَ إليه نقطَ المصحف الشّريف، وقيل: هو أوّل من وضع علم النّحو، والصّحيحُ أنّه وضع علامات الإعراب فقط، أما واضع علم النّحو فهو سيبويه، معجزة النحو العربيّ، وصاحب أوّل كتابٍ فيه، أسماه «الكتاب»، وكان النحاة يسمونه قرآن النحو! لما أجاد فيه وأبدع، وما زالت كتب النحو إلى اليوم تتبع تصنيفه وترتيبه ومصطلحاته إلا يسيراً! وبالعودة إلى أبي الأسْود، فالزّين ما يكمل، كما تقول العجائز، فقد كان بخيلاً شحيحاً، يكره أن يأكل معه أحد، ولم يبت عنده ضيف قط، وقد أوصى أولاده قبل موته قائلاً: لا تتصدقوا على فقير، فلو علم الله فيهم خيراً لأغناهم!
نستخلصُ مما سبق دروساً أهمها:
الدّرس الأوّل:
في بداية العلاقات تظهر المشاعر، وفي نهايتها تظهر الأخلاق! في الوئام الجميع نبلاء، فتريّث ولا تتسرع، انتظر وقت الخصومة، هناك تسقط الأقنعة وتظهر الوجوه على حقيقتها!
الدّرس الثّاني:
الخلافات تقع دوماً بين النّاس، لأنهم عقول وآراء وقيم وأخلاق مختلفة، وكلّ إنسان يبني قناعاته بناءً على ظروفه، الذي ألقته أمه رضيعاً وذهبت لتعيش حياتها، نظرته إلى الأم غير ذاك الذي فتح عينيه فوجدها تحوطه وترعاه، والذي لا يعيش علاقة سوية بينه وبين زوجته نظرته ونظرتها إلى العلاقة الزوجية لن تتطابق مع أشخاص يعيشون حياةً سوية، الذين يبدون جُناةً ليسوا إلا ضحايا ظروفهم!
الدّرس الثالث:
لماذا في كلّ خلاف يجب أن يدخل بيننا القضاة! واللذان جمع بينهما سقف بيت من العيب أن يجمع بينهما سقف محكمة!
الدّرس الرّابع:
القويّ لا يحتاج لمن يقف معه، يكفيه أن القانون بيده! النُّبل أن تقف مع الضعيف، فكل ظلم يقع أمام عينيك وتسكت عنه أنتَ شريك فيه! صحيح أنك لا تتحمل مسؤولية قانونية ولكنك تتحمل مسؤولية أخلاقية، وأن يُقال فلان خاصم قوياً نُصرة لضعيف أشرف مليون مرة أن يُقال فلان تكاتف مع القويّ على الضعيف!
الدّرس الخامس:
ليس صحيحاً ما قال أبو الأسْود: لا تتصدقوا على الفقراء فلو علم الله فيهم خيراً لأغناهم! الله يُعطي الدّنيا لمن يُحبّ ولمن يكره، ولكنه لا يُعطي هذا الدّين إلا لمن يُحبّ، لو كان المال علامة على حُبّ الله للعبد لكان قارون في الفردوس الأعلى، ولزاحم النمرود وفرعون شهداء بدر على باب الجنّة، ولكن الحقيقة ليست كذلك، المال رزق قسمه الله لحكمة يعلمها لا علاقة لها بالحُبّ أو البُغض، وقد كانت تمضي الأيام ولا يُوقد في بيت النّبي صلى الله عليه وسلم نارٌ لطعام، وكسرى وهرقل يتقلبان على الحرير!
copy short url   نسخ
04/02/2017
8959