+ A
A -


«الزّمن دوّار»، كلمتان خفيفتان في اللفظ ثقيلتان في المعنى! لا أعرفُ من القائل، وأغلب الظن عندي أنه من الكلام الذي لا يمكن الرجوع به إلى أحد بعينه، وإن كان أنه لا شك أن ثمة قائلا اندثر وبقيت مقولته! ولكني وإن كنت لا أعرف القائل الذي يستحق قبلة على جبينه، إلا أني مثلكم جميعًا أعرف قصصًا كثيرة من التاريخ والحاضر تثبت أن الزمن دوار فعلاً، وإليكم واحدة، أحسبها تكفي:
روى ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية أن وائل بن حجر الحضرمي، سليل ملوك اليمن، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا إسلامه، وكان صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه قبل وصول وائل: «يأتيكم بقية أبناء الملوك»!
فلما أتى وائل رحّب به النبي صلى الله عليه وسلم وأدناه، ثم أعطاه أرضًا نظير ما ترك خلفه من المُلك والزعامة، وأرسل معه معاوية ابن أبي سفيان ليدله على الأرض، وكان معاوية وقتها من شدة فقره لا ينتعل حذاءً!
فقال معاوية لوائل: أردفني على الناقة خلفك
فقال وائل: ليس شحًا بالناقة ولكنك لست رديف الملوك
فقال معاوية: إذن أعطني نعلك!
فقال له وائل: ليس شحًا بالنعل، ولكنك لستَ ممن ينتعل أحذية الملوك! ولكن امشِ في ظل الناقة!
ثم أخذ الزمن يدور، وولى الفاروق معاوية على الشام، ثم أبقاه عثمان، ثم صار ما تعرفون بين علي وعثمان إلى أن قُتل علي وآلت الخلافة إلى معاوية، وجاء وائل إلى الشام وقد جاوز الثمانين، ودخل على معاوية، وكان جالسًا على كرسي الملك، فنزل وأجلس وائلًا مكانه، ثم ذكّره بالذي كان بينهما فيما مضى، وأمر له بمالٍ، فقال وائل: أعطه من هو أحق به مني، ولكني وددتُ بعد ما رأيت من حلمك لو رجع بنا الزمان لأحملك يومها بين يديّ!
رضي الله عن الجميع: الفاروق وعثمان وعلي ووائل ومعاوية!
لا غنى يدوم، ولا فقر يبقى، لا صحة إلا ويعقبها مرض، ولا وظيفة مرموقة إلا ولها من تقاعد، وزير يأتي وآخر يذهب، نائب اليوم تحت قبة البرلمان وغدًا مواطن عادي على أبواب الإدارات العامة ينتظر أن يتمم معاملة كانت فيما مضى يكفيه اتصال واحد لتتم! العشرة الذين يتربعون اليوم على قائمة أثرياء العالم بحسب تصنيف مجلة فوربس كانوا قبل أربعين عامًا معدمين! الدنيا دولاب لا يكف عن الدوران، وقد قال هارون الرشيد: ما أحلى المُلك لولا الموت، فقيل له: حلا بالموت، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك!
اسعَ إلى المناصب، واجمع المال، حقق مركزًا مرموقًا، ابن شركة، أسس مصنعًا، كن ناجحًا ومميزًا، واصعد إلى أعلى مكان يمكنك أن تبلغه، ولكن لا تنسَ أن تصعد بأخلاق، وأن ترفق بالذين ستقابلهم في طريق صعودك، ولكن تذكر أنه لا أحد يبقى في القمة، وأن كثيرًا ممن التقيتهم وأنت في طريق صعودك، ستلتقيهم في طريق هبوطك!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
28/01/2017
11702