+ A
A -
كم ثَمَن رغيف الكرامة في سوق الإنسانية؟!
في غياب الكرامة أي معنى لوجودك يَكون؟!
وما معنى أن تكون حَيّاً إن لم تَكُنِ الكرامةُ عنوانَ حياتك؟!
يَطيبُ لي أن أُشَبِّهَ الكرامةَ أحيانا باللباس، فَبِدون كرامة نَكُونُ نحن عُرَاةً حُفَاةً. وأحيانا أخرى تتراءى لي الكرامةُ في صورة الرغيف الذي تُناديه أفواهُ الجَوْعى. ولك أن تتصورَ ما يمثِّل الرغيفُ للجائع الذي تتآكلُ أمعاؤه وتأكلُه!
في زمنِ غير المأسوف على رحيله العَمّ «بان كي مون» كانت الكلمةُ للفرجة، «تَفَرَّجْ.. يا سلام»!
العالَم كان يَذوب، والسيد «كي مون» كان يخطو خطوةً كبيرة على طريقِ تغييرِ دورانِ الكرة الأرضية وهو يُعْرِب عن قَلَقِه!
الخيال العلمي الذي دَأَبْنَا على متابعته سينمائيا في زمن مضى ها نحن طَفِقْنا نتابعه في زمننا هذا عن كثب، بل على المباشِر، وما أكثر الوحوش (ذات الضربات المتفوقة بأشواط على ضربة ديناصور) التي كانت وطأة أقدامها كافية لِتُبيدَ قُرى ومُدُنا لم يَبْقَ منها إلا اسم بلدِها في ذاكرة التاريخ.
هل يُحاكِمُ التاريخُ «بان كي مون» على جُبْنِه وعدم نُصْرَتِه للمظلوم وعدم إنصافه للحقّ؟!
هل يحاكِمُه على تخاذُله وهو يَغضُّ الطرفَ عن ملفات ساخنة مشتعلة بحجم ملفّي النزوح واللجوء اللذين أرهقَا العَمّة ميركل (انجيلا) وكانا يتطلبان منه التحرك بحزم؟!
العالَمُ بعضُه يأكل البعضَ الآخَر، والعَمّ «كي مون» لم يكن يَقطع نومَه سوى لِيُعْرِبَ عن قلقه بين الفينة والأخرى ثم يتثاءَب ليستأنفَ نومَه مجدَّداً..
فهل نُمَنِّي أَنْفُسَنا بأن يَكون العَمّ غوتيريس (خَلَف كي مون) مستعدا ليتحرك ويحلّ ويَربط أكثر من أن يَكتفيَ بالإعراب عن قلقه؟!
هل سَيَحْرِص البرتغالي غوتيريس على توزيع أرغفة الكرامة بالعدل وبما يكفي لِيَمْلَأَ كُلَّ فَمٍ؟!
لِتَتَدَخَّلَ بما يُمْليه عليك ضميرُك اليَقِظُ عليك أن تَضَعَ نَفْسَك مكان الآخَر المطحون. لا تَتَوَهَّمْ أن في يَدِكَ أن تُغَيِّرَ شيئا ما لم تُجَرِّبْ أن تُحِسَّ بما يُحِسُّ به الآخَرُ، الآخَر المسجون وراء قضبان البؤس..
ربما تكون أحلامُ البعض منا كبيرة (بيت وسيارة ورصيد بنكي ورحلات و.. و.. و..)، لكن الآخَرَ الذي تَمْتَصُّ محرقةُ الظروفِ إنسانيتَه لا يطمع في شيء سوى رغيف الكرامة..
الكرامة هي التي تُعيد المرءَ إنسانا بحق، وتَرفع عنه الأحذيةَ التي ما فَتِئَتْ تَدُوسُه، أحذية الغبن والقهر والتجويع والترويع والتسفيه والتشويه، تشويه الملامح والانتقاص من شأنه إلى درجة مُعامَلَتِه مُعامَلَةَ الحَشَرةِ القَذِرَةِ..
أَمَلُنا أن يُحققَ أنطونيو غوتيريس مفهومَ الإنسانية على أرض من أضاعوا الطريقَ إلى الإنسانية بسبب الحرب والحُبّ: الحرب التي تُفْسِد القرى الآمنة وتبتلع مَواقع على الخريطة، وحُبّ النَّفْس الذي يجعلك تُعْمِي عينيك عن رؤية ما لا تريد أن تراه..
نَافِذَةُ الرُّوح:
«حَبَّةُ التراب هي ما تَبَقَّى من تاريخ صخرة».
«حتى متى تَتَبَجَّحُ بإشهار إسلامك وأنتَ لا تُريد للآخَر ما ترى نَفْسَك جَديرةً به؟!».
«تَكونُ بَطَلا بِقَدْرِ ما تَصنعُ من نفْسِك إنسانا».
«التابِعُ ذَنَبُ سَيِّدِه، لكنه يَنتقمُ لنفسِه ممن هُمْ دُونَه في التبعية والخضوع».
«أَشواقُ الروحِ قَميصٌ مُمَزَّق».
بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
26/01/2017
2658