+ A
A -
ظل الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما يمني النفس بتحرير مدينة الموصل العراقية من أيدي تنظيم «داعش» الإرهابي، قبل أن يغادر البيت الأبيض هذا الشهر. لكن أوباما لن يحتفل بالنصر في خطاب الوداع بشيكاغو.
ملفات المنطقة وأزماتها سيرثها كلها الرئيس المنتخب دونالد ترامب؛ الحرب المتعثرة ضد الإرهاب، والأزمة الطاحنة في سوريا، والمبارزة المفتوحة على كل الجبهات مع الدب الروسي، إضافة إلى حزمة من التحديات المتنوعة التي تواجه حلفاء واشنطن في المنطقة العربية والعالم.
كانت مقاربة أوباما في التعامل مع تلك التحديات والأزمات، تقوم على نظرية القيادة من الخلف. لكن هذه النظرية لم تحقق سوى أمرا واحدا؛ تراجع الولايات المتحدة خطوات إلى الوراء، وإفساح المجال لقوى دولية «روسيا» وإقليمية «إيران وتركيا» لتقود من الأمام، فيما الأزمات تتفاقم، وتقترب من أن تكون غير قابلة للحل. يكفي هنا الإشارة إلى خطر الإرهاب المتمثل بتنظيم «داعش»، الذي بدا قبل ثلاث سنوات محصورا في مناطق جغرافية ضيقة، وقابلا للاحتواء، ثم تمدد ليطال في تهديده دول الإقليم، وبعد ذلك تعداها ليصبح خطرا عالميا، يملك من الشبكات والأذرع ما يمكنه من الضرب في أية عاصمة أوروبية أو مدينة أميركية.
مقاربة ترامب مختلفة نسبيا عن أوباما، وإن كانت ماتزال محاطة بالغموض،إلا أن عنوانها العريض هو «القيادة من فوق».
ترامب على غرار أوباما، لا يريد لبلاده أن تتورط بصراعات وأزمات الشرق الأوسط، باستثناء ما يخص أمن إسرائيل ومصالحها. لكن بخلاف أوباما يحمل ترامب أجندة فوقية، محملة بالاشتراطات والوصفات وحتى الأوامر، لما ينبغي على دول المنطقة فعله حيال كل ملف من ملفاتها، ووفق رؤية أميركية خالصة، لا مجال للاجتهاد فيها.
وفي سعيه للتفاهم مع روسيا، والانتقال من حالة التجاذب إلى التوافق، إنما يبرهن على رغبة دفينة، للعودة في المنطقة والعالم، إلى زمن الصفقات الكبرى بين قطبي الحرب الباردة، بما يسمح لكل منهما بفرض رؤيته على حلفائه أو أتباعه، وتقاسم المصالح العالمية ومناطق النفوذ.
والنظرة للخارج القائمة على مبدأ «القيادة من فوق» لا يمكن أن تصبح نهجا سياسيا في الممارسة، إذا لم تسندها قناعة داخلية قائمة على فكرة التفوق الأميركي، ولهذا راهن ترامب، ونجح في رهانه، على إحياء الوطنية الأميركية بشعاره الانتخابي الشهير «أميركا أولا». هكذا شعار يتطلب النظر للعالم من فوق، ووضع المصالح الوطنية الأميركية بمفهومها الضيق فوق كل الاعتبارات، حتى وإن تطلب الأمر مواجهة مفتوحة مع الصين، وتحديا سافرا لتقليد أميركي بعدم نقل السفارة الأميركية للقدس المحتلة، أو بمخاطبة حلفاء تاريخيين في المنطقة بلهجة المستعمرين الأوائل.
لكن مشكلة مبدأ ترامب أنه وحتى اللحظة، يناور في منطقة الشعارات البراقة، ولم يكتس بعد ثوبا سياسيا يمكن للمرء أن يختبره في التطبيق. فكيف له مثلا أن يوفق بين عدائه لإيران، واستعداده للتحالف مع روسيا في سوريا؟
والإبهام السياسي يمتد في هذا الشأن ليطال موقفه من دول الخليج الحليفة، فيما يفكر بمواجهة إيران، وتكبيل أذرعها في المنطقة، وهي التي تمدها كل يوم للعبث بأمن دول الخليج العربي.
والمفارقة أن موقف ترامب الودود تجاه روسيا، واجه إحراجا حتى قبل أن يتسلم الرئاسة رسميا، إذ لم يجد الرئيس المنتخب بدا من الاعتراف بأن لروسيا أصابع في ما حصل من اختراقات إلكترونية في أميركا، وبأنه لن يسمح في المستقبل بالتطاول الروسي على أمن الولايات المتحدة، وخزائن أسرارها الإلكترونية.
سننتظر حتى العشرين من هذا الشهر، لنستمع لخطاب التنصيب، لعله يمنحنا فرصة للتعرف أكثر على قدرة ترامب بتحويل شعاراته إلى سياسات قابلة للبقاء، وقيادة العالم من فوق.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
12/01/2017
4482