+ A
A -
لم يكن ما بثته إحدى القنوات التليفزيونية الخاصة في تونس حدثا عارضا، عندما نقلت صورة مركبة ونسبتها إلى قناة ( الجزيرة) مرفقة بخبر رديء الصياغة سقيم المبنى والمعنى ولتخصص بعدها جانبا من حصة حوارية يحضرها احد الوزراء من اجل التشكيك في قناة الجزيرة وذمها وتشويه صورتها لدى عموم المشاهدين.
لم يكن الأمر يقتضي عبقرية فذة أو نباهة خاصة من اجل التفطن إلى أن الصورة والخبر المرفق بها عن الأحداث بمدينة القصرين لا علاقة لهما بقناة الجزيرة وأن علامات التزوير و«الفبركة» واضحة للعيان ولا تحتاج إلى كثير تدقيق وبحث للانتباه إلى أن المسألة لا تعدو أن تكون محاولة تشويهية تنقصها الحرفية ولا تنطلي على عوام الناس فما بالك بمن يدعي الانتساب زورا إلى مجال الصحافة وعلوم الأخبار.
وقد اعتاد المشاهد التونسي حملات التشهير والافتراء ضد قناة الجزيرة زمن حكم المخلوع بن علي حيث شكّل السقف المرتفع للحريات في القناة وفتحها المجال لسماع أصوات المعارضين لنظام الحكم حينها مصدر إزعاج وإرباك لرأس النظام وكل المحيطين به من الأتباع. وبعدها كان للجزيرة فضل السبق في تغطية أحداث الحراك الشعبي في تونس الذي انطلق ذات 17/10/ 2010 وليبلغ أوجه بفرار رأس النظام يوم 14 /01/2011 وحينها نقلت الجزيرة الحدث مباشرة من الشوارع التونسية وهي التي ظلت لسنوات ممنوعة من النشاط ومن أن يكون لها مكتب أو مراسلين على ارض تونس.
والذي حصل أن بعض الوجوه الإعلامية ممن كانوا يقتاتون على موائد النظام المنهار وممن يحتلون اليوم مواقع متقدمة في وسائل الإعلام الخاصة والحكومية لم يغفروا لقناة الجزيرة انحيازها لعموم الشعب وتغطيتها لثورته المجيدة وتعاملها بحرفية تامة في نقل الأحداث وبرؤية تقنية متطورة. فكان ديدنهم محاولة تشويه القناة وتصويرها على أنها مصدر كل الشرور وسبب كل البلايا وكأن الاستبداد والفساد ليسا السبب الحقيقي، وأن أولى خطوات بناء مجتمع صحي من الناحية السياسية تقتضي تحرير الإعلام من هيمنة السلطة أولا ولكن أيضا تحوله إلى إعلام محترف يبتعد عن منطق التهويل وترويج الإشاعات وصنع الأكاذيب.
ولم يكن بعض إعلاميي تونس منفردين بممارسة التشويه المبتذل ضد قناة الجزيرة بل نجد أن الأمر يشمل كل قطاعات الدعاية الفجة الموالية للأنظمة القمعية المنغلقة في المنطقة العربية ولعل الجميع يذكر ما روجه شبيحة الإعلام السوري أثناء بدايات الثورة ضد نظام بشار الأسد من أن ما تنقله الجزيرة من صور المظاهرات والاحتجاجات هي مجرد تمثيليات يقع تجهيزها في استديوهات ضخمة تابعة لقناة الجزيرة. أما في مصر ما بعد الانقلاب العسكري فقد وقع استهداف الصحفيين المتعاونين مع القناة من خلال محاكمات جائرة وتضييقات كبرى على حرية الإعلام. ورغم هذا كله حافظت القناة على صدارتها الإعلامية وبقيت المصدر الأساسي لدى الجمهور العربي العريض في معرفة المستجدات ومتابعة التحليلات الرصينة الهادئة والبرامج الوثائقية الجيدة من اجل مزيد فهم المشهد الوطني والدولي خارج وصاية وسائل الإعلام الرسمية التي تمارس التجهيل الممنهج ومحاولة التأثير على الرأي العام من خلال أدوات إعلامية تفتقر للحرية وأيضا للحرفية.
إن محاولات الافتراء والتشويه التي لحقت قناة الجزيرة لم تزدها إلا تألقا وحضورا وتأثيرا في الشارع العربي بمختلف شرائحه لأن سياسات التشويه الممنهجة لا يمكنها أن تصنع إعلاما منافسا فحبل الكذب قصير في ظل ثورة المعلومات حيث أصبح بالإمكان كشف أشكال التزييف والتلاعب بالأخبار مهما كانت الأساليب المتبعة في تسويقها إلى الرأي العام.
إن الأجدى للدول العربية هو أن تفسح المجال أمام إعلام حر ونزيه قبل أن تفكر في ممارسة أساليب الدعاية الفجة التي ولى زمانها وفي ذات السياق فإن الأهم بالنسبة لبلد مثل تونس وهو يعيش انتقاله الديمقراطي أن يكون الإعلام مجالا للتعبير عن تطلعات الجمهور الواسع لا أن يتحول إلى مجرد أبواق تردد الإشاعات أو تستند إلى التلفيقات السخيفة الفاقدة لأي سند موضوعي من الواقع والحقيقة.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
10/01/2017
4543