+ A
A -


قال السلطان سليمان القانوني: عندما أموتُ أخرجوا يديّ من التابوت حتى يعرف الناس أنه حتى السلطان خرج من الدنيا فارغ اليدين!
سليمان القانوني أحد أعظم خلفاء الدولة العثمانية، ولا أعتقد أن أحدًا غير محمد الفاتح يأتي قبله، فذاك على صدره وسام نبويّ تقلده قبل مجيئه إلى الدنيا يقول فيه سيَّد الناس: «لتُفتحنّ القسطنطينية، فنعم الجيش جيشها ونعم الأمير أميرها»! أما سليمان القانوني صاحب أطول فترة حكم في الدولة العثمانية، بلغت 46 عامًا فكان يقود الجيوش بنفسه في الحروب، وهو أول من حكم عواصم الشرق والغرب في التاريخ من أثينا إلى صوفيا وبودابست وبلغراد والقدس ودمشق وبغداد والقاهرة وتبريز والقائمة تطول، وكان حافظًا للقرآن الكريم، ولصحيح البخاري، يتكلم التركية والعربية والفارسية والصربية، ولقبه القانوني نسبة لإصلاحه القضاء وإرساء أمور الدولة.
أن يحدثك فقير عن الزهد، قد تقول: مجبر أخاك لا بطل! أما أن يحدثك سلطان يحكم نصف كوكب الأرض المعروف وقتذاك فذاك مدعاة للدهشة! وقد أراد أن يكون واعظًا في موته كما كان في حياته، أراد أن يقول إننا نهاية المطاف سنذهب خاليي الوفاض كما جئنا!
وبدوري لن أقول: إن المال شيء تافه فلا تجمعوه، وهو وسخ الدنيا فدعكم منه، على العكس تمامًا، نِعمَ المال الحلال في يد العبد الصالح، المال عجلة الحياة، هكذا كان قبلنا، وهكذا سيبقى بعدنا، ولكنه نهاية المطاف عجلة الحياة وليس الحياة، وهو إنما يُطلب وسيلة أما أن يُصبح غاية في ذاته، يصبح الإنسان وقتذاك أجيرًا عند ورثته، ذكرني هذا الكلام بسائق الرجل الغني الذي مات وترك كل ثروته لزوجته، فتزوجت الزوجة السائق بعد ذلك، فقال السائق: كنتُ أحسب أني أعمل عند سيدي ولكني اكتشفتُ الآن أنه كان طوال عمره يعمل عندي!
اجمعوا المال، فهو يجعل حياتكم أسهل، وأن يترك المرء ورثته أغنياء خير من أن يتركهم عالة يتكففون الناس، ولكن لا تنسوا وأنتم تجمعوه أن تعيشوا! وتذكروا أن أثمن ما في الحياة هي تلك الأشياء التي ليس لها ثمن! أمّ تحنو عليك ثروة، زوجة مُحبة غنى، وولد يدعو لك دُبر الصلاة ثراء فاحش، قلب رجل يخاف عليكِ من النسمة تساوي مال الدنيا، اسألوا الأغنياء الذين حُرموا الصحة عن المال، واسألوا الأثرياء الذين حُرموا الأولاد عن الثراء، جميعنا أثرياء إذا عرفنا قيمة الأشياء لا أثمانها! يا أخي أن تولد مسلمًا وخمسة مليارات من قاطني هذا الكوكب ذاهبون إلى النار تساوي قارون وثروته وفرعون وملكه والنمرود وسلطانه!
جميعنا نعرف أن المال يشتري الدواء ولا يشتري الصحة، ويشتري السرير ولا يشتري النوم، ويشتري كتاب الطرائف ولا يشتري الضحكة، ولكن علينا أن نُحوّل معرفتنا هذه إلى سلوك وشعور، وإني لأقسم غير حانث أن كثيراً من القصور التي ترونها ليست إلا قبورًا دُفن فيها الناس أحياء، وأن كثيرًا من الأساور والقلائد الذهبيّة ليست إلا أغلالاً في أيدي ورقاب نساء يملكن كل شيء إلا طعم الحُبّ، فاجمعوا المال وادخروه ولكن لا تنسوا أن تدخروا منه شيئًا للتابوت!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
07/01/2017
13501