+ A
A -
لا يمضي عام إلا وخلفه الكثير من التأبين والذكريات القاسية يسوقنا الأمل نحو عام جديد نرجو فيه كل ما نتمناه وكأن الواقع والحياة رهنٌ بالزمن وليس بالإنسان الذي يستثمر الزمن ويصنع التاريخ والأحداث.. لا شك أن هذا الفهم السطحي الخاطئ كلفنا الكثير.
وتظل صناعة الإنسان القويم هي الصناعة الأكثر أهمية في حياة البشرية، والأقل نجاحاً للأسف في عصرنا هذا رغم كل ما يبذل ظاهرياً من أجل ذلك...
كاتولينا، هيفا وغيرهما من الظواهر الشاذة التي شهدت رواجاً العام المنصرم، وربما الحالي... استطاعوا ان يكتسحوا شبكات التواصل الاجتماعي حتى تابعهم من هم دون الثامنة وليس الثامنة عشرة ليتحولوا من مشكلة شاذة مرفوضة إلى ظاهرة، مسلية ذات صبغة كوميدية جاذبة، مستوى المتابعة والمشاهدة يبين لنا ما الذي تواجهه هذه الأجيال الحديثة وما الذي تستقبله عقولهم الصغيرة من سموم، وسلبيات.. لا تلبث ان تصل إلى مرحلة التطبيع مع هكذا ظواهر شاذة صادمة في مجتمعاتنا العربية، المسلمة.. بالإضافة إلى أن ذلك يعد مؤشراً يبين لنا خطورة المستوى الذي وصلت إليه مشكلة اضطراب الهوية ذات المنشأ النفسي التربوي غالباً في مجتمعاتنا العربية، مع غياب نموذج الهوية السليمة التي يحتاجها الطفل حتى يتقمص هويته الفطرية الصحيحة تبعاً لتكوينه الجسماني أو حصول خلل غير مقصود في تقمص الهوية نتيجة كوارث تربوية أخرى لتخرج لنا هذه الأشكال الشاذة المشوهة للإنسان، وللفطرة الإنسانية السليمة مع كل ما تفرزه من آثار سلبية، وتدميرية للأخلاق، والقيم والمبادئ التي تنتج عن ظاهرة كهذه، وعن سكوت المجتمع أو عجزه عن حلها.. أو معالجتها بطريقة سطحية وليست وقائية. المفجع أكثر كما ذكرنا هو الشهرة الإعلامية الكبيرة لهذه النماذج الشاذة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج التوك شو التي تقدمها بعض الفضائيات الهابطة لِيُسلط الضوء عليهم اكثر، وأكثر، وتتوسع دائرة الاهتمام بهم، والمتابعة لهم حتى يتحولوا إلى نماذج ملهمة لجيل مضطرب من الشباب يعاني أزمات متتابعة، بدءا من الهوية إلى الهدف من الحياة بذاتها. ما نريد أن ننبه عليه أن العولمة، ووسائل التواصل الاجتماعي وضعتنا في قالب واحد لا يمكن ان يترك دولة أو مجتمعا بمنأى عن سواهم من الدول والمجتمعات إلا إن كانوا في مجاهل افريقيا أو أدغال الأمازون، بمعنى أن هذه السلبيات لا بد أن تطالنا، وتنال منا. وهنا يصبح السكوت عن مشكلة كهذه حتى تتفاقم يتعدى الجريمة بحد ذاتها خاصة أن شذوذاً كهذا قوض حضارات بأكملها كما شهدنا في تاريخ الإنسانية، فكيف بوضعنا ونحن دولٌ ما زلنا نحبو نحو التطور. كما أن اعتماد الإجراءات العلاجية دون الوقائية قد يصبح عقيماً مع تحولها لثقافة خاصة وحق من حقوق الحياة كما حدث في الغرب.
والمطلوب هو وضع دراسات وحلول جادة لمواجهة الأزمات الأخلاقية المتنامية في مجتمعاتنا ووقاية الأجيال الناشئة فيها من قبل الحكومات ومؤسسات الدولة.
وتحمل الأسرة مسؤوليتها كاملة في حماية أخلاق وثقافة النشء لديها بالطرق السليمة الواعية، التي تخلق جيلاً يكون هو بمثابة السد أمام عواصف الشذوذ والضياع.
بقلم : مها محمد
copy short url   نسخ
03/01/2017
4622