+ A
A -
لا يجوز لألف سبب الطعن في الدين. لكن من الجائز جداً نقد التدين. الدين عقيدة مقدسة. أما التدين ففهم البشر لتلك العقيدة. الدين من الله أما التدين فمن الناس. الدين وحي أما التدين فحياة. والوحي منزه أما الحياة فمليئة بالأخطاء. الدين ليس أبداً هو المشكلة وإنما المشكلة في التدين. وهي مشكلة قديمة تقع كلما حاول البشر استنطاق النص المقدس.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رد على الخوارج عندما اتهموه بمخالفة القرآن قائلاً «هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق بلسان وإنما ينطق به الرجال». ونطق الرجال هو التدين الذي يستوجب المراجعة والتصحيح.
وليس المسلمون وحدهم من يعانون من التدين المغلوط وإنما يقع فيه أتباع مختلف الأديان. لكن العين مفتوحة بأكملها الآن على المسلمين لأن فضاءهم الاستراتيجي مفكك ولأن مراجعاتهم لطرق تدينهم تفتقر إلى الحسم اللازم. فهم مازالوا بعيدين عن التدين القويم أو التدين الرسالي ينغمس كثير منهم في اثني عشر شكلاً للتدين هي المالي، والقتالي، والاتكالي، والجبالي- الأدغالي، والأغلالي، والبالي، والانفعالي، والاستكمالي، والإشكالي، والرجالي، والعيالي، والإذلالي. هذه الأنماط الاثنا عشر تناقض التدين الرسالي وتحول الدين من طاقة معمرة إلى طاقة مدمرة فتقتل حلم النهضة وتمنع المسلمين من فهم العالم بل وحتى من معرفة أنفسهم. فما هي هذه الأشكال؟.
- التدين المالي: وليس بخطأ أبداً لو تمثل في أداء الزكاة ومساعدة الفقراء والغارمين. لكن حينما يوجه المال إلى جماعات عليها علامات استفهام أو يخصص لبناء مساجد لا يمتلأ ربعها بدلاً من مستشفيات ومدارس ومساكن يحتاجها الناس بشدة فليس لهذا الشكل من التدين صلة بمقاصد التدين الرسالي.
- التدين القتالي: وتمارسه تنظيمات مغالية عرّفت الجهاد على أنه حمل السلاح للإخافة بالقتل والتدمير. وبعيداً عن الجدل حول نشأة تنظيمات مثل القاعدة وداعش فإن الحقيقة الدامغة أنها تضم مسلمين اعتقدوا أن الجهاد لا يكون إلا مسلحاً وأن التدين لا يكون إلا بالتوحش.
- التدين الجبالي- الأدغالي: وهو فرع من التدين القتالي لكنه لا يتبنى الحرب الدائمة في كل بقاع الأرض كما تفعل داعش وإنما يتخذ بؤراً محلية ينقض منها كلما لزم. هو تدين طالبان في جبال أفغانستان وبوكو حرام في أدغال نيجيريا.
- التدين الإتكالي: أو تدين الضعفاء مسلمي حزب الكنبة الذين يكتفون بالدعاء وانتظار الصدف وما يمنحه الآخرون. هو تدين الكسالى الذين يعتبرون صوتهم غير مهم وعددهم غير كاف.
- التدين الأغلالي: ويسرف في التحريم وتضييق الحياة على خلق الله مثل تأثيم الموسيقى وحصار المرأة وقائمة الفتاوى المتزمتة التي تقدم للناس على أنها الدين بعينه.
- التدين البالي: ويعتقد أصحابه أن الزمن جمد عند لحظة لا زمن بعدها ما يجعلهم يرفضون الجديد باستمرار. وهؤلاء ينقلون الماضي ولا يعقلونه. يتبنونه حرفياً حتى لو كان السابقون قد نصحوا بأن يأخذ كل جيل بخلق الزمن الذي يعيشون فيه.
- التدين الانفعالي: ويمارسه الغاضبون الذين لا يسيطرون على أنفسهم فيتكلمون بغلظة ويقلبون طاولة النقاش كلما سمعوا رأياً لا يتفق مع أفكارهم.
- التدين الاستكمالي: وهو طقوس تغرق في الشكل فتهتم بالملبس والمسبحة والذقن ورنات الهاتف وكل القشور الخارجية التي لا تصلح لقياس فهم الدين.
- التدين الإشكالي: ويتجلى في تلك المعارك العقيمة بين المتجمدين والمجددين بما يربك الناس ويثير مشكلات بينهم. هو تدين المتحجرين المنكرين لأي تجديد. وتدين المغامرين الذين يجددون بآراء لا تحتملها العادات.
- التدين الرجالي: ويعتبر النساء عورات يجب أن تخرج من المجال العام مع أن الدين كرمهن واعتبرهن شقائق الرجال. هو تدين جاهلي متوارث لكنه يتوارى خلف الدين ليبرر رغبته الذكورية في قمع المرأة.
- التدين العيالي: ويهتم بالصغائر والقضايا الرفيعة فيجعلها أم القضايا مثل حكم الخل والشطرنج والدخان وطول الثوب وطلاء الأظافر وكل ما شابه.
- التدين الإذلالي: وهو شكل عنصري للتدين يرفض مواطنة غير المسلمين، ويتكلم عن الحق المستدام في الغزو وسبي النساء وأخذ الغنائم. وهو حليف فكري للتدين القتالي.
مثل هذه الصور ترسبت وانتشرت إلى حد أعاق التدين الرسالي الحريص على جوهر الإسلام المقتدي بمقاصد الشريعة الذي شجع المسلمين من قبل على التفكير بل والاستماتة على سبيل المثال من أجل العلم وجعل بنص الحديث الشريف مداد العلماء يوزن يوم القيامة بدم الشهداء. هذا التدين الرسالي في حاجة إلى صحوة لكنها لن تبدأ إلا بمراجعة جادة لتلك الصور المغلوطة من التدين.

بقلم : د. إبراهيم عرفات
copy short url   نسخ
02/01/2017
4958