+ A
A -
كشفت حملة انتخابات أميركا 2016 عن تحول نوعي في مفهوم التعددية الثقافية فالحملة كانت تعددية واضحة من ساندرز يسارا إلى ترامب يمينا، وبينهما هيلاري، وهذا تعدد مكشوف على القمة، ولكن الحملة لم تكشف عن مسلك ثقافي، وكانت المسالك كلها تصارعية، ولم تك تفاوضية، وفيها ظهر أن العنصرية والعرقية والتطرف السياسي يكسب أصواتا، وهي أصوات قوية ومؤثرة ورقمها عال وخطر وتمكنت من كسب الجولة.
هنا نقف على منعطف شائك تتعرض له نظريات التعددية الثقافية تلك النظريات التي أنتجت مصطلح ما بعد الحداثة أي كسر الهيمنة البيضاء بنموذج الحداثة الذي كان يقود المعرفة لتكون جوزة هند، وتجر العالم الملون ليكون ظاهره أسمر وباطنه أبيض، وكانت الحداثة نظرية للرجل الأبيض تمثل صيغته وتدفع الباقين لتمثلها ليكونوا عصريين، وهنا ثارت النظرية من داخلها وعدلت مسارها، وجاءت مقولة المابعد لتبشر بالتعددية وتخرج الحداثة من مأزقها الأحادي كتابي النقد الثقافي، الفصل الأول.
وظلت النظرية تحتفي بانتصار إنسانية الإنسان بوصفه رجلا أبيض وملونا معا، وبوصف المرأة إنسانة كذلك، وحلت فكرة التفاوضية كمفهوم تنافسي وليس تصارعيا.
طبعا لم يك متوقعا أبدا أن يستسلم النسق، ومن المسلم به بداية أن للنسق حيله الخاصة للالتفاف على المتغيرات التي تهدد سلطته، وكان المشهود أن التعددية كشفت عن الهويات الجذرية وبانت الفروق التي لجأ لها البشر، بعد أن كانوا يسلمون لمفاهيم التحضر والتقدم، وكانوا يرون العرقيات من الرجعيات،ولكن ظهرت العرقيات بأخطر ما يكون في حروب في وسط أوروبا قسمتها إلى دويلات، وظهرت برغبات انفصالية حتى مع أسكتلندا بعد قرون من الوحدة الناجحة بحق، ولم يتعرض الأسكتلنديون لأي اضطهاد قط، ولكن العرق تحرك، ضد كل السكينة الماضية.
وجاءت الحملة الأميركية لتكشف أن ردة فعل النسق كانت أكبر من كل التوقعات، وأظهرت أن التعدد تصارعي وليس تفاوضيا.
هذه ليست نهاية مطاف لأي شيء ومعركة قابيل وهابيل لم تنته مع سلالات لهما يكرران الموقف نفسه، وموت أحدهما لم ينه رغبة الإنسان في العدل والمساواة، ولكنه أشعل الرغبات فيها، وفوز رئيس يميني اليوم سيحفز الرغبات اليمينية في كل بقاع العالم، ولكنها لن تحسم معارك الإنسان في مواجهاته مع النسق، ولسوف يواجه النسق بكل ما يملك تماما كما إن النسق أيضا لن يستسلم. هما قابيل وهابيل متصلين ومستمرين، وإن مددت يدك إلى لتقتلني ما أنا بقاتلك، العدل والمنطق مقابل الظلم والقتل والجاهلية، وللثقافة معاركها التي لا تنتهي.

بقلم : عبدالله الغذامي
copy short url   نسخ
31/12/2016
4947