+ A
A -
بعض الأوجاع تجعلك فائضًا بالكلام، بعضها تجعلك مسلوبًا، أخرس، بلا لغة وبلا إشارات.
هكذا كنتُ بعد مجزرة حلب، شعرت بأني محاصرة في لغتي، في ألمي، حتى في الدعاء. وهذا أسوأ ما يمكن أن يحدث لكاتب ينتظر منه الآخرون أن يقول شيئًا! لكن ما الذي يمكن أن تشعر به وأنت ترى جثث الأطفال تــُرفع من الشوارع كما تكنس النفايات. كما لو كان الكلام بداخلك نذَرَ الصوم، ربما احتجاجًا، ربما فزعًا، ربما لأن مايحدث أكبر من كل شيء، حتى ذرف الدموع بصمت. هكذا هي الآلام الكبرى، تجعلك ذاهلاً، محصورًا في اللحظة.
كنتُ هكذا وأنا أشاهد الصور ومقاطع الفيديو في حلب، بعد المجزرة الأكبر في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. يالله، ما أتعس أن يحتمي أكثر من 12 ألف طفل بأنقاض البيوت، وأنت تكتفي بمشاهدة الصور. المهم أنني عجزت، ولم تكن الكتابة إلا مزيدًا من الألم. بقيَ احتباس الكلام هكذا، ليالي.. حتى صرح القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن جبهة حلب السورية تعتبر الخط الأول للثورة الإسلامية الإيرانية. وأن من إنجازات الثورة تحقيق الأمن والاستقرار وأن مجالها قد تجاوز حدود إيران. وأن «الثورة الإسلامية الإيرانية استطاعت أن تهزم- من خلال معركتها في حلب- أعداءها، وأن مجال الثورة قد تجاوز حدود إيران». إن رائحة الكذب أشد نتانة من رائحة الدماء. وهذا ماجعلني أكتب. أعني حجم الخديعة التي تحبكها إيران حول ما يفعله جنودها في سوريا. خديعة في زمن لم تعد فيه الجماهير تعتمد على خطاب قائد أو مقالة مكتوبة أو خبر تليفزيوني. نحن في زمن الصوت والصورة يا جعفري! أي أعداء لك بين النساء التي تلطم خدودها في حلب، التي تغطي أقدام أبنائها وهم ممددون موتى!
لقد عدتُ بذاكرتي لدمشق 1920 عندما تجول هنري غورو في دمشق بعد معركة ميسلون، عندما وقف مكللا بالنصر على قبر القائد صلاح الدين وقال: «ها قد عدنا يا صلاح الدين». هكذا فعل قاسم سليماني وهو يتجول على أنقاض حلب، بالقرب من المسجد الأموي، محملاً بأحقاده على العرب الذين حطمو تاج كسراه. ولسان حاله يقول: عدنا أيها الفاتحين!
لا قرت عينك يا سليماني، وبئس الانتصار يا جعفري، الانتصار الذي سار على جماجم الأطفال، وبكاء الثواكل.
بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
29/12/2016
5669