+ A
A -
هناك أشياء في حياتك تَسْتَعْمِلُها مرة واحدة، ثم بعد أن تَستعملَها تُلْقي بها كأن صلاحيتَها انتهَتْ، مع أن الحقيقةَ تقول إنك أصبَحْتَ زاهداً فيها.
القلب، قلبُ مَنْ تُعَذِّبُه بِحُبِّك شيء من هذه الأشياء.. فأنت تقتحمه دون استئذان حين تشاء أنتَ وتَرغب في ذلك.. لكنك عندما تَملُّ من التجول في شوارع مدينة القلب تُغادرها، تغادرها دون إشعار مخلِّفاً فيه (قلبه) وجعا يَعتصِر الوجدان ويترفع عنه النسيان.
قلوب الناس ليست حجارة، قلوب الناس ليست طُوباً، طوباً نتوسده ونفترشه لِيَقينا بردَ الشتاء، وبعد أن ينتهي دورها (القلوب) نَتَرَاشَقُ بها (القلوب الطُّوب) ويتحول القلب إلى حَجَر.
الرَّجُل الهارِب، الرَّجُل الهارب من قَيْدِ مشاعره اللصيقة بأنثى يرحل عنها مُخَلِّفاً سَيْلاً من الدموع الكاوية، ولا حتى على البوح (بوحها) تَقْوى هِيَ.
يَنْكسر قلبُها المعذَّب كما تَنْكسر أضلع مُحارِب يتسلل إلى صدره سَيفٌ بَتَّار مُطيحا بمقاومة دِرْعِه، دِرعه الذي نَجَّاه على مدى عُمر من سطوة السيف البَتَّار.
دموعهنّ تملأ المحيطاتِ وتتعداها.. أحزانهنّ تُسْقِطُ الجبلَ.. وأيَّامُهن تتضاءل أمامهن مَسافاتُها، كما لو تنتظر منهن تقديم تحية الوداع لا أكثر.
المذبحة! المذبحة هذه هي التي يُزَجُّ فيها عُنُقُ القلب بسكينِ قلبٍ آخر، عنق القلب الميت بعد تَخَلِّي ساكنِه عنه..
وفي قطع رأس القلب، القلب الميت، ما يُضيف إلى رصيد صاحِبِه من الحزن دفعةً أخرى..
قلبُ مَنْ تُعذبه بحبك ليس قفازا بلاستيكيا يا هذا!
قلبُ مَن تعذبه بحبك ما هو سوى خيوط مشاعر مرهفة، قد تشتعل فيها النار التي تأكلك إذا لم تتعلَّم كيف تُسَخِّر هذا القلب لِيُضيءَ لك ويمدّك بالدفء..
يمكنك أن تَعبثَ بأي شيء، لكن لا تُجَرِّبْ أن تعبثَ بقلبٍ يحبك، قلب تَوَّاق إلى رضاك..
ما تهدمه في دقائق لن يكفيك عُمرُك كله لِتَبني مثله..
ما تهدمه عن إصرار قد يُكَلِّفُك عُمرَك إذا ألحَّ القلبُ (الذي طَوَيْتَه) في طلب الانتقام..
القلبُ الكبير الذي يُحبك هو نعمة، فَاعْرفْ كيف تَصونها..
القلب الكبير الذي يُحِبك لا جدوى من أن تبكي عليه إذا خسرتَه، فيقينا لن يعود إليك..
القلب الذي يُحِبك أرض وسقف وجدران..
القلب الذي يُحِبك هو وطنك، فاعرفْ كيف تحمي وطنَك، واعرِفْ كيف تحتمي به..
قد تُغَيِّرُ مراراً السيارةَ والبيتَ والنظاراتِ الشمسيةَ والساعةَ والهاتفَ المحمول والأحذية والقُمْصان و.. و... و.. لكن القلبَ الذي يُحِبُّك قلب واحد، قد لا يُكَلفك شيئاً ولا يطلب منك شيئاً سوى أن تُحافظ على نبضه لك..
تأكد أنك لن تَجِدَ كل يومٍ قلباً جديداً في انتظارك يَضْبِطُ عقاربه على زمنك ورغباتك واشتهاءاتك.. لن تَجِدَ بسهولة قلباً ينحني لِتَشمخَ أنتَ، يتضاءَل لِتَكبرَ أنتَ، وينسى نَفْسَه لِيَرْفَعَك..
نَافِذَةُ الرُّوح :
«القطار الذي لم تَرْكبْه.. العاصمة التي لم تَبْلغْها.. الموعد الذي تَأَجَّلَ.. الوَردُ الذي لم تتسلَّمْه.. الأشواق التي لملمتها في حرف.. العناق الذي انطوى منديلُه.. العُيون التي قالتْ وقالتْ.. حَتَّى حِين».

بقلم : د. سعاد درير
copy short url   نسخ
29/12/2016
2221