+ A
A -


«ليس بيني وبين الله أحد» مقولة شهيرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد جرت العادة في هذه السلسلة أن أكتب نبذة تعريفية عن صاحب القول موضوع المقال، ولكني ارتأيتُ أن أُخالف عادتي تلك، فالمسمى لا يحتاج إلى تسمية، والمعرفة لا يحتاج إلى تعريف، والمؤكد لا يحتاج إلى تأكيد، وليس من الأدب أن تكتب حفرة تعريفًا عن قمة!
وبالعودة إلى المقولة، فهي مرتبطة بمناسبة حجّه رضي الله عنه بالناس في خلافته، فلما صار بوادي ضجنان قرب مكة قال: لا إله إلا الله العليّ العظيم، المعطي ما شاء لمن شاء، كنتُ أرعى إبل الخطّاب بهذا الوادي في لباس خشن من صوف، وكان الخطّاب فظًا يُتعبني إذا عملتُ، ويضربني إذا قصّرتُ، وها أنا قد أمسيتُ وليس بيني وبين الله أحد!
إذا أردتَ أن تعرف معادن الرّجال سلمهم سُلطة، عندها فقط يمكنك أن تراهم على حقيقتهم دون مستحضرات تجميل! دون تصنّع ومواربة، وهذا هو معدن عمر، يظهر في مقولته التي قالها في عامه التاسع في الحكم، بعد أن هزم أعظم إمبراطوريتين في التاريخ، فارس والروم، وصارت بيده مقاليد دولة كانت يومذاك الأكبر والأقوى على وجه الأرض، ولكنه لم يتكبر ولم يتغطرس، كلّ هذا المجد عنده عطاء من الله ليس له فيه يد، وكل هذا السلطان لا ينسيه ماضيه: هنا كنتُ أرعى إبل أبي! إحدى مشاكلنا في هذا العصر أننا نعاني «تورمًا» رهيبًا في «الأنا»، يؤلف أحدنا كتاباً فيمشي على رؤوس أصابعه، ويؤسس أحدنا شركة فلا يعود يرى الناس من حوله، ويحصل أحدنا على شهادة دكتوراة فلا يترك فرصة إلا ويخبرك أنه أعلم أهل الأرض، ويستلم أحدنا رئاسة قسم فيشعرك أنه يدير المجموعة الشمسية!
تواضعوا، إنّ المرء إذا نجح وتغطرس فهو لم ينجح حقًا، ولا تستسلموا فإن المرء إذا فشل ولم يستسلم فهو لم يفشل حقًا!
قسوة الخطاب هي التي صقلت عمر، فالحديد الصلب هو كذلك لأن النار كوته، ولا أطالب هنا أن نكون قساة مع أولادنا، على العكس، أؤمن أن الأولاد بحاجة إلى الحب حاجتهم إلى الطعام والشراب، ولكن هناك فرقا بين القسوة والحزم. الدلال الزائد فوق أنه مفسدة فهو لا يُعدّ الأولاد للحياة، والحُب لا يتنافى مع أن نقول لأولادنا لا أحيانًا، من قال إنه من حُبّ البنت أن تتخرج في الجامعة وهي لا تعرف كيف تقلي بيضة، ومن قال إنّ من حب الابن أن يبلغ سنَّ الزواج ويأخذ مصروفه من أبيه كأنه طفل في الروضة، هناك فرق بين أن نُعبّد طريق الحياة أمام أولادنا وبين أن نمشيها نيابة عنهم!
بقلم : أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
24/12/2016
7994