+ A
A -
عاش الأردن الأحد الماضي يوما عصيبا وطويلا، انتهى بالقضاء على خلية إرهابية تحصنت بقلعة الكرك التاريخية جنوبي الأردن. وخلفت العملية الإرهابية عشرة شهداء من أفراد الأجهزة الأمنية ومدنيين.
وعلى رغم الخسائر البشرية هذه، فإن اكتشاف الخلية وهي في مرحلة التحضير لعمليات إرهابية ضخمة، جنب المدنيين خسائر كبيرة. فقد أظهرت التحقيقات الأولية أن الخلية الإرهابية المكونة من أربعة أشخاص كانت تخطط لتنفيذ عمليات مميتة في العاصمة عمان، تستهدف أحياء تجارية عادة ما تكون مكتظة بالمرتادين نهاية العام.
وعثرت الأجهزة الأمنية في المنزل الذي أقام فيه أفراد الخلية على ستة أحزمة ناسفة جاهزة للتفجير وقنابل يدوية، وأسلحة رشاشة، وعتاد بكميات كبيرة.
اللجوء إلى قلعة صلاح الدين في مدينة الكرك لم يكن مخططا له، لكن الإرهابيين اضطروا لذلك هربا من ملاحقة رجال الأمن لهم. واستغلوا الأحوال الجوية الماطرة والضباب، ووجود عشرات السياح الأجانب لتوفير ملاذ آمن ومحصن لهم داخل سراديب القلعة، وهوما تطلب وقتا أطول من أجهزة الأمن للقضاء عليهم، بعد تأمين السياح المحتجزين في القلعة باستثناء سائحة كندية واحدة لقيت مصرعها على يد الإرهابيين.
كان واضحا من سياق العملية الإرهابية أن الخلية الإرهابية خططت طويلا لعملياتها المقررة في الأردن، وتلقت دعما ماليا ولوجستيا لتوفير السلاح والمواد المتفجرة، لكن المرجح أن الدعم توفر من مصادر داخلية وليست خارجية، مع ملاحظة أن الإرهابيين الأربعة لهم سيرة معروفة بالانتماء إلى الجماعات المتطرفة، وسبق لبعضهم أن حوكم بقضايا إرهابية، غير أنه لم تظهر بعد أدلة تؤكد ارتباطهم بتنظيم داعش الإرهابي.
«مذبحة القلعة» إذا جاز التعبير هي رابع عملية إرهابية تقع في الأردن هذا العام؛ فقد سبقها عملية في أربد انتهت بمقتل سبعة من الإرهابيين واستشهاد ضابط من قوات الأمن،وهجوم على مكتب مخابرات البقعة خلف خمسة شهداء من حرس المقر الأمني، إضافة لعملية الركبان على الحدود مع سوريا، والتي استهدف قوات حرس الحدود وأدت إلى استشهاد سبعة منهم.
لكن العملية الأخيرة في الكرك كانت مختلفة في ظروفها،لأنها ولأول مرة وربما في العالم، اكتست المواجهة مع الإرهابيين طابعا شعبيا وليس أمنيا فقط، فما أن اقتحمت المجموعة الإرهابية القعلة، حتى هرع المئات من المواطنين بأسلحتهم إلى مداخلها لقتل الإرهابيين.
وقد بذل رجال الأمن جهودا مضنية لإبعادهم عن محيط العمليات خوفا على حياتهم، لكن العشرات منهم كانوا قد دخلوا القلعة، وساعدوا السياح على الخروج سالمين، وقد استشهد اثنان من سكان المدينة وهم يقاتلون على أسوارها لحماية السياح المنسحبين.
كان تحرك الناس عملا بطوليا وشجاعا بحق، أظهر بالدليل الحي وقوف الأغلبية الساحقة من المواطنين ضد الجماعات التكفيرية وفكرها الظلامي، واستعدادهم للتضحية بحياتهم دفاعا عن أمن وطنهم ومدينتهم.
كان محرك هؤلاء الشعور بالمهانة من عصابة إرهابية اقتحمت أحياءهم السكنية وقلعتهم التاريخية التي تمثل رمزا لتضحيات العرب والمسلمين؛ فمنها انطلق القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس. لم يحتمل أبناء مدينة الكرك أن يدنس إرهابيون قلعتهم التاريخية، ولهذا هبوا لتحريرها من المجرمين.
وحتى عندما أجهزت القوة الأمنية على أفراد الخلية، وأخرجت جثثهم من القلعة، حاول المئات من المواطنين انتزاع جثثهم من قوات الأمن انتقاما لكبريائهم الوطني.
العملية برمتها كانت تأكيدا جديدا على أن هذه المجموعات هي فئات معزولة في مجتمعاتها، ولاتحظى بأي قدر من التعاطف، وبمجرد أن تكشف عن نفسها تلقى المواطن العادي يقف في وجهها قبل رجل الأمن.

بقلم : فهد الخيطان
copy short url   نسخ
22/12/2016
4353