+ A
A -
فَمٌ يُنادِيكَ لِتَطْبَعَ قُبْلَةً، قد يَكون فَمَ طِفْلٍ وَديعٍ أو رَضِيعٍ.. فَمٌ يُناديكَ لِتَمْلَأَه ولو بِرَغيفٍ قديم، قد يَكون فَمَ محرومٍ أو جائعٍ مَوْجوعٍ.. وفَمٌ نَسِيَ طَعْمَ الرغيف وأضاعَ طريقَه إلى القُبْلَة، قد يكونُ فَمَ نَمْلَة، نملة تحاول أن تتمرد وتُعْلِنَ العصيان بإطلاقِ صرخة، وما أدراك ما صرخة نملة! نملة تُريدُ أن تصرخَ، لكنها لا تجد فَمَها..
حَلَب! حَلَب يَصرخ أهلُها صرخةَ نملة، نملة تُحاول الاحتجاجَ على أَقْدَام آلةِ الحَرب القَذِرَة التي تَدُوسها، لكن النملةَ تخونُها الصرخةُ، وحتى إن صَرخَتْ لن تتعدى صَرْخَتُها مسافةَ صَرْخةِ نملة.. رُوح الإنسان في حَلَب لا تَعْرف الطريقَ إلى محطةِ قطارِ الإنسانية. حَلَب فَمُها يُناديكَ.. ذَهَبَ الفستق الحلبي، ذهبت الثقافة، ذهبَ الجَمال، وذهبَ (أو كادَ) الإنسانُ.. ضمير الإنسانية حتى لو غسلوه بماء جافيل لن يَنظفَ من مُخَلَّفات التواطؤ على الصمت. ضمير الإنسانية الْمَبْتُور من الجسد منشور كالغسيل أو اللحم الممَلَّح حتى يَيْبسَ إحساسُه أكثر فأكثر..
زميلتُنا الجميلة الإحساس سمر الأشقر تكتبُ مؤخرا لـ «الوطن» بأصابعها العَطِرَة عن تضحيتها بحُلم مزاولة مهنة المحاماة (بعيدا) دفاعا عن حُبِّها المشروع لدوحتها وقَطَرها التي تُحَبِّبُ فيها الْمُواطِنَ والْمُقيمَ والعَابِرَ.. اُنْظُروا كيف تُبَلِّلُنا سمر بمطر الحُبّ للأرض والقَمَر والشَّجَر والحَجَر! إذا كان هذا إحساس زميلتنا الرقيقة، فما يكون إحساس مَنْ جَرَّبَ الفَقْدَ، فقد الوطن الأُمّ؟!
لسنا في حاجة إلى تمرين «الذاكرة الانفعالية» لِنُحَفِّزَ الذاكرةَ على استرجاع مَشاهِد تُوَلِّدُ فينا الرغبةَ في البكاء حتى نبكي، فمَشاهد حَلَب تجعل الدَّمْعَ يَفِرُّ كما سبق أن فَرَّ تاريخ وثقافة.. هل هذه هي حَلَب الشهباء التي رَسَمَتْها حُروفُ المتنبي بكلِّ الجَمال؟! أهذا ما فَعَلَهُ بها مِنْشار الأسد؟! أيظن نفسَه الأسدَ الْمُهَدَّدَ بالانقراض فيقاوِم الرحيل بالإجرام والتقتيل؟!
الرئيس السِّنَّوْرِي آكِل لحوم البشر يُثْبِتُ يوما بعد يوم قُدُراتِه الرهيبة في الإطاحة بعَدُوِّه، الشعب.. أيعقل أن يكون الشعبُ عَدُوَّهُ كما يُصَوِّرُ له عقلُه؟! ومن هنا يَصْنَعُ الْمِنْشَارُ إطارَ فيلم رُعْب: الْمَشْهَد الحلَبي فيلم رُعْب طويل بَطَلُه الرئيس الأبشع من شبح الأوبرا كما جَسَّدَهُ فيلم «THE PHANTOM OF THE OPERA»، لا، بل هذا دراكولا (DRACULA) مَصَّاص دِماء، دراكولا عربي يُقال (والله أعلم) إنه مُسْلِم.. أحقا هو مُسْلِم؟! أم هو مستسلِم لِمَنْ يُحَرِّضُونه على مَصِّ دَمِ الشعب؟! لِكُلِّ بداية نهاية، لكننا جميعا ننتظر نهايتَه، نهاية تَليقُ بانتظاراتِ مَنْ أَعْدَمَهُمْ وجَوَّعَهُم ويَتَّمَهُم وشَرَّدَهُم وأَبْكَاهُم وجَعَلَ حياتَهم جَحيما..
نَافِذَةُ الرُّوح:
«أَيْنَ رُحْمَاكُمُو يا حُمَاة العَرَبْ،
وَأَمامَكُمُو تُسْتَباحُ حَلَبْ؟!
غَادَةٌ تِلْكَ تَبْكي، وَيَبْكي الْهَوى،
كَيْفَ لا، والهوى والهَواءُ حَلَبْ؟!
دَاوِهَا، دَاوِها يا طَبِيب العَرَبْ،
لَكَ تَشْكو وَتَنْزِفُ عَيْنَا حَلَبْ..
اِنْهَضُوا وَقِفُوا وَاسْتَغِيثُوا لَهَا،
فَلْيَكُنْ صَوْتُكُم صَوْتَها يا عَرَبْ!
قَاطِعُوا صَمْتَكُمْ وَلَيَالِي الطَّرَبْ،
أَعْلِنُوا غَضَباً يَسْتَعِيدُ حَلَبْ!
شَرِبُوا دَمَهَا.. نَهَشُوا لَحْمَهَا..
حَفَرُوا قَبْرَهَا.. وَأَذَلُّوا العَرَبْ!
أَوَلَسْتِ بِغَالِيةٍ يا حَلَبْ؟!
أَيْنَ غِيرَتكُمْ يا أُسُود العَرَبْ؟!».
بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
22/12/2016
2268