+ A
A -
هنا مشهد حدث ذات مرة في إحدى المدن العربية وكنت جزءا منه، يستدعي التأمل. مخبز لبيع الخبز اللبناني وقف أمامه نحو خمسة أشخاص ينتظرون دورهم، بينهم امرأة تمنت على البائع لسبب أو لآخر أن يعطيها قبل الآخرين فقال لها إنه لا يمانع إلا أن الدور هو لهذا الشخص (أشار إليه) فإن وافق على أن تأخذي دوره فلا بأس. لكن الرجل الذي انتظر الجميع قراره لم يكتف بالرفض ولكن أتبعه بالنقد بل بالنقد القاسي. قال للمرأة بصوت جهور وجاد ومن دون أن تعتلي وجهه ابتسامة ولو خفيفة «أنتن تطالبن دائما بالمساواة مع الرجال، والمساواة تقتضي أن تقفي في الطابور وتنتظري دورك أيا كانت ظروفك، أنتن تقلن إنه لا فرق بين الرجل والمرأة وتسعين للوصول إلى اليوم الذي يعلن فيه أن المرأة والرجل واحد ومتساوون في كل شيء، أليس هذا ما ترددنه دائما؟» ثم أضاف بلهجة صارمة ؛ «انتظري دورك».

المرأة التي تضايقت واختلفت ألوانها لم ترد، ابتسمت باقتضاب وتركز نظرها على حذائها وانتظرت حتى جاء دورها. لم يعلق أحد من الحاضرين على ما حدث ربما كي لا يزيدوا من إحراج المرأة ولكن الأكيد أنه كان لكل واحد منهم رأيا في الموضوع وموقفا مع المرأة أو ضدها.

هنا مشهد آخر كنت جزءا منه أيضا ؛ فبعد الانتهاء من تسجيل مقابلة صحفية كنت قد أجريتها مع خليجي عن واقع المرأة في دول مجلس التعاون وفي بلاده بصفة خاصة والتي فوجئت خلالها بآرائه النيرة وموقفه المساند للمرأة والمناصر لها ولقضاياها أثنيت عليه وواصلت حديثي عن أهمية مناصرة المرأة ودعمها كونها الأم والأخت والإبنة ونصف المجتمع بل أساسه، فوجدته يبتسم ويقول لي بكل برود أعصاب إن ما قاله كان بسبب وجود جهاز التسجيل، فسألته على الفور عن رأيه الحقيقي في المرأة فقال ببساطة إنه عكس ما سمعته منه أثناء المقابلة الصحفية.

مشهدان مارس البطل في كليهما قسوة على المرأة ولكن الفارق بين البطلين هو أن الأول عبر عن رأيه وموقفه من المرأة ومطالباتها بوضوح وجرأة بينما آثر الثاني الظهور بمظهر المناصر لها قولا والعامل ضدها وضد توجهها ورغبتها في المساواة مع الرجل سرا.

الرجلان في المشهدين لم يعبرا عن موقفهما الشخصي فقط ولكن عن موقف مجتمع لا يزال دون القدرة على استيعاب التطور الحتمي في العلاقة بين أفراده وحقوق المرأة، فما ينبغي أن نلتفت إليه جيدا هو أن مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص لا تزال على غير استعداد لتقبل فكرة مساواة الجنسين وإن تم تمكين المرأة من بعض المناصب، وهذا يؤكد نظرية الحراك الاجتماعي الذي لا يمكن التطاول عليه، فالمساواة بين المرأة والرجل لا يمكن أن تتحقق بقرار وإن صدر من أعلى المستويات، وليس كل المثقفين والمتعلمين في مجتمعاتنا يؤمنون بفكرة المساواة بين الجنسين بل أن الكثيرين منهم يرفضونها وإن قبلوا بها ظاهرا.

بقلم : فريد أحمد حسن

copy short url   نسخ
26/04/2016
2082