+ A
A -
تكون الدهشة فاعلة وإيجابية حين يعقبها سؤال حيث انها في الأساس تمظهر لجهل وتعبير عن عدم معرفة، التطور الإنساني عموما جاء لإزالة الدهشة عن حياة الإنسان، الاديان ذاتها ازالت دهشة الإنسان وكشفت له عن اجوبة لأسئلة الوجود. الدولة المدنية والتطور السياسي قلص من اسئلة الدهشة عند الشعوب بتحويلها إلى اسئلة تجد لها اجابات عند مؤسساتها وأفرادها. البرلمانات جاءت استجابة لتلافي الاندهاش، عندما يشعر المجتمع بأن الدهشة سمة يومية فثمة خطأ في حياته وثمة توعك في مسيرته وخطاه. البرلمانات في العالم وجدت للاجابة على اسئلة الدهشة لدى المجتمعات، الانتخابات وجدت لإظهار وابراز من يستطيع الاجابة على اسئلة الدهشة المتكررة. المعضلة كما أراها ليست في الدهشة الايجابية ذاتها أي تلك القادرة على طرح الاسئلة للتخلص من دهشتها ذاتيا، المعضلة في الدهشة السلبية التي لا تقوى على طرح الاسئلة لسبب ما. عندما يعجز المجتمع عن معالجة دهشته لا يتطور بل يتكور ويستلب. المجتمع المندهش مجتمع معوق لا يستطيع فرض رؤيته ولا تحقيق مطالبه، المجتمع المندهش دائما يمسى على شكل ويصبح على شكل آخر، المجتمع المندهش عبارة عن بصامة RUBBER STAMP يبصم حتى على شهادة وفاته دون ان يدري، المجتمع المندهش دائما كحاطب ليل لا يعرف مكانه وماذا يلامسه أغصنُ كان أم أفعى، المجتمع المندهش كمن يحمل داءه في ردائه، المجتمع المندهش مريض نفسيا لأن عدوى الدهشة السلبية تجعله شاكا حتى في نفسه، المجتمع المندهش يقول نعم في النهار ويعقبها بلا خفيفة في الليل بين الجدران، أفراده لا يمكن ان يتغلبوا على فرديتهم لصالح مجموعهم، نزواتهم أولوية وشعارهم الفردية، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. لا يعرف التاريخ شعبا كالشعب العربي عانى ولايزال يعاني من الدهشة تمر العقود عقدا وراء آخر، ودهشتهم تزداد مع سرمدية القائد الديكتاتور الملهم، وأيامهم تفنى مع الوعود البراقة بالديمقراطية والانتخابات النزيهة، الآباء يرحلون على أمل لا يستطيع الابناء تحقيقه فتصبح الدهشة مركبة لدى الاحفاد بعد ذلك. حتى المؤتمرات لم تفكك من خيوط دهشتهم المستمرة، اين اسئلة الهزيمة، ومن يتحملها؟ عجزت الشعوب عن طرح اسئلة الدهشة التي انتابتها، فاستمر الاندهاش واستمرأت الشعوب حتى صار ديدنها فاستحقت بحق شعار مجتمعات الدهشة بجدارة. الدهشة في ذاتها بداية الفلسفة والانجاز فهي التي تحرض على السؤال المقدمة الأولى للخروج من النمطية التاريخية وتفكيك سيطرة الماضي المنقضي على الحاضر الجديد، الدهشة في مجتمعاتنا عبارة عن مشروع للاجابة فقط وهذا سر عجزها، حتى الاختيارات المتعددة في الاجابة كما في الامتحانات المدرسية لا تجدي ولا تمثل مخرجا أو حلا لانعكاس وضعية السائل والمجيب، وهذه مفارقة تاريخية تجعل من الشعوب مصدرا للإجابة في حين انها من المفترض تكون هي من يطرح السؤال.
بقلم: عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
14/12/2016
1373