+ A
A -
منذ بدء العمل بالديمقراطية في كوريا الجنوبية في 1987 وحتى الانتخابات الرئاسية الماضية في 2013 تعاقب على السلطة في كوريا الجنوبية 5 رؤساء كان لكل واحد منهم تاريخ طويل من النشاط السياسي ضد الديكتاتورية العسكرية، ورغم أن هؤلاء نجحوا في الوصول إلى البيت الأزرق الرئاسي تسبقهم سيرة نضالية ناصعة معطوفة على خبرات سياسية أو اقتصادية، بالإضافة إلى عصامية فذة كما في حالتي الرئيسين «كيم داي جونغ» و«لي ميونغ باك»، فإنهم خرجوا من السلطة ملطخين بالفساد.
لقد احتار المراقبون في تفسير هذه الظاهرة، فعزاه البعض إلى ثقافة الفساد المتفشية في كل مفاصل المجتمع والدولة والمؤسسات الخاصة، وعزاه البعض الآخر إلى الثقافة الكونفوشوسية التي تراعي الضمانات الاجتماعية غير المكتوبة، بمعنى أن رأس الحكم أو الإدارة مسؤول شفاهة عن تقديم تسهيلات وضمانات للرعية مقابل قيام هؤلاء بدفع الثمن له في أشكال مختلفة مادية، وغير مادية.
فالرئيس «كيم يونغ سام» ( 1993- 1998) لاحقته قضية تورط ابنه في فضيحة تلقي رشاوى. هذا ناهيك عن تردد أنباء عن قيام الرئيس نفسه بقبض رشاوى من مجموعة «كيا» الصناعية مقابل دعوة رؤسائها لحفلات العشاء في القصر الرئاسي، كما ثارت تساؤلات حول مصدر نحو بليون دولار أنفقها على حملاته الانتخابية.
والرئيس «كيم داي جونغ» ( 1998- 2003) تلوثت سمعته بانخراط أولاده الثلاثة في صفقات مشبوهة واستغلالهم لاسم والدهم في الثراء، عدا ما قيل عن قيام الرئيس نفسه بدفع رشوة بقيمة نصف مليار دولار لنظيره الكوري الشمالي «كيم جونغ إيل» كي يبعث له الأخير دعوة رسمية لزيارة بيونغيانغ.
والرئيس «روه هو هيون»(2003- 2008) ابن الفلاح الفقير، خضع لتحقيقات بعد خروجه من السلطة بتهمة تلقيه مع زوجته رشوة من أحد رجال الأعمال مقابل تعيين شخصيات معينة في مناصب رفيعة، وبينما كانت التحقيقات مستمرة أقدم هيون على الانتحار تخلصا من العار.
أما الرئيس «لي ميونغ باك»(2008- 2013) فقد انهى عهده بفضيحة تمثلت بتلقي شقيقه لرشوة بقيمة 700 ألف دولار، فحكم على الاخير بالسجن لمدة عامين، لكن خصومه ظلوا يصفونه بامبراطور الفساد ويزعمون انه اخفى أرصدة واشتغل في أنشطة سرية.
هذه مقدمة ضرورية للحديث عما واجهته زعيمة كوريا الجنوبية «بارك غيون هي» التي قام البرلمان بإقالتها.
وحالة بارك تختلف عن حالات أسلافها، فهي لم تصل إلى السلطة قبل أربع سنوات تقريبا إلا بسبب تعاظم الحنين إلى زمن والدها الديكتاتور «بارك تشونغ هي» الذي حكم من 1961 وحتى مقتله برصاصات رئيس مخابراته في 1979. وهي من ناحية أخرى لم تتورط في قضايا فساد ورشوة من النوع الذي تورط فيها أسلافها، لكنها تواجه اليوم أزمة من نوع جديد، وذلك بعد تسرب أنباء في شأن انتمائها إلى طائفة دينية، ومزاعم حول تحضيرها الأرواح داخل القصر الرئاسي، وارتباطها بعلاقات وثيقة مع ابنة زعيم الطائفة الدينية المذكورة وهي سيدة ستينية لا تتولى منصبا رسميا وتدعى «شوي سون سيل»، ويــُحتمل أن تكون الرئيسة، بحكم علاقتها بالأخيرة، قد أطلعتها على أسرار الدولة وخضعت لتوصياتها في موضوع تعيين المسؤولين، وإجبار الشركات الكبرى مثل «سامسونج» على دفع خوات لمؤسسات غير ربحية أسستها شوي لحسابها في ألمانيا.
ومن هنا لقبتها وسائل الإعلام بـ «راسبوتين» في إشارة إلى ممارستها لدور مشابه لما كان يمارسه الساحر الروسي «غريغوري راسبوتين» على القياصرة الروس.
والحال أن بارك واجهت موقفا حرجا قبل انتهاء فترة رئاستها بعام واحد، بدليل انخفاض شعبيتها إلى أقصى حد، ومطالبة نحو 67% من الكوريين باقالتها، وهو ما حدث بالفعل وفشلها في مداواة جراحها من خلال بعض الإجراءات التي قامت بها في الايام الماضية مثل الاعتذار للشعب مرتين، وإجراء تطهير في حكومتها وصفوف مستشاريها، والإعلان عن عزمها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم المعارضة، ناهيك عن موافقتها على القبض على صديقتها شوي بمجرد عودتها من ألمانيا.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
11/12/2016
3944