+ A
A -
حلب الشهباء كانت هي الاسم الأبرز في عناوين الوكالات والصحف طوال الأسبوع الماضي حيث تعرضت ومازالت تـتعرض لقصف همجي عنيف استهدف المدنيين والمرافق المدنية عن سابق عمد وكامل ترصد، رافق ذلك نوع من الثـقة بعدم وجود ردود أفعال من المجتمع الدولي أو دول الجوار وكأن هناك ضوء أخضر لحرق الأخضر واليابس في حلب الشهباء والتي غيرت الظروف لقبها الشهير إلى حلب الشهداء! أسئلة عديدة تـسقط على رؤوس المراقبين مع كل برميل عشوائي يسقط على مدرسة أو مستـشفى أو سوق في حلب الجريحة: لماذا يحدث هذا؟ ولماذا حلب بالذات؟

دائما ما تدل الأهداف الصغيرة على الأهداف الكبيرة لذلك حلب الشهداء اليوم هي بمثابة هدف صغير لتحقيق هدف أكبر ألا وهو تركيع الشمال السوري لتحقيق نقطة تحول في المعركة نحو تركيع الشعب السوري عن بكرة أبـيه! دخلت حلب مسار الثورة السورية متأخرة لكنها قلبت الثورة رأسا على عقب وساهمت في تحويلها من ثورة مظاهرات شوارع إلى ثورة كلاشينكوف! ومن هنا يتضح الجواب عن سؤال لماذا حلب؟ إنه الانـتقام من عاصمة الصمود الشعبي السوري، وعلى ذكر الصمود فحلب قبل ذلك كانت مركز الصمود الإسلامي في وجه الحملات الصليبية المتكررة على بلاد الشام وهي حملات لم تـنـته حتى اليوم!

تعتبر حلب بمثابة «عقدة استراتيجية» للحل عند أطراف الصراع المختلفة! يستهدف نظام الأسد استكمال الدائرة على حلب حيث لم يتبق إلا هذه الأحياء الشرقية من المدينة التي تسيطر عليها المعارضة وتـتلقى وابلا من البراميل المتـفجرة على مدار الساعة وكل ذلك تحت قناعة فحواها «من يسيطر على حلب يتحكم في مستـقبل سوريا»! تركيا تهتم بـ «عقدة حلب» بسبب قربها الجغرافي وتعاظم مشكلة اللاجئين وكذلك بسبب تأثيرها الكبير على مسار الحروب على طول حدودها الجنوبية وهي ثلاث حروب متداخلة: حرب الأكراد من أجل إقامة كيان كردي قابل للحياة، والحرب الدولية ضد تنظيم الدولة، وحرب نظام الأسد وأعوانه على الشعب السوري الصامد!

أما روسيا التي غادرت ولم تغادر وغدرت ولم تعتذر فلها مع حلب حبل طويل من الدماء والشهداء! روسيا تريد فك «عقدة حلب» كنوع من رد الدين للأتراك ورد الحياة لنظام الأسد. من ناحية تـتعمد روسيا تدمير حلب المدينة وتمزيق ريف حلب الشمالي وتمكين الأكراد عسكريا وسياسيا نكاية بتركيا التي أسقطت طائرتها وعملت على إبطاء السيطرة الروسية وحاولت تـشكيل مقاومة سياسية وميدانية للاستراتيجية الروسية المتـهورة!

من ناحية أخرى تريد روسيا تدمير حلب والسيطرة على ريف حلب كاملا ليظهر حليفها الأسد بمظهر القادر والمسيطر على الوضع والبديل الوحيد المتاح أمام الغرب لقتال تـنظيم الدولة.

دائما ما تدل الأفعال الهمجية على استراتيجية همجية! وخيوط الاستراتيجية المتوحشة التي يتبعها النظام وأعوانه الإيرانيون والروس تبدأ من حلب ولا تـنـتهي إلا وكل شبر من الأراضي السورية الطاهرة مضرج بالدماء! الأمور بالنسبة للاستراتيجيين الروس خصوصا واضحة فقد قامت استراتيجيتهم باستـنساخ تجربة تدمير غروزني لاحتلال الشيشان وفق مسارات جهنمية ترتكز على منهجية القـتل والتدمير واغـتيال القيادات العنيدة وتوليد قيادات لينة أو معارضة حميمة (تذكرت قاعدة حميميم)!

أما استراتيجية الإيرانيين فتـقوم على استـنساخ تجربة احتلال العراق باحتلال حكومته وفق مسارات جهنمية ترتكز على القـتل والتهجير وإحلال الشعب السوري بالقادمين الجدد وزرع المرتزقة والميليشيا في كل شبر من الأرض السورية باستخدام التجـيـيش الطائفي لتوفير ما هو مطلوب من الحشود العسكرية تحت مسميات الحشد الشعبي وقوات الدفاع الوطني وربما قريبا يظهر (جيش القدس) الذي يقـتل الأطفال السوريين في حلب في طريقه لتحرير القدس!

وعلى ذكر القدس فإن أعنف الصور التي رسمتها هذه الحملة على حلب الشهداء كانت من مستشفى القدس التابع لمنظمة «أطباء بلا حدود» الدولية فقد تم قصفه وتدميره على من فيه من أطباء ومرضى ومسنين ومسعفين وأطفال وكل شيء يتحرك!

الملاحظة الأقسى في مذبحة حلب هي صمت المجتمع الدولي وليس المقصود المجتمع الدولي السياسي فهو صامت ومتواطئ منذ قديم الثورة السورية، لكن المقصود هو المجتمع الدولي الإنساني الذي تعامل مع أزمة حلب المدينة وحلب البشر بطريقة لم تخطر على بال أحد من البشر!

صور المآسي الحلبـية لم يحدث مثيل لها في أزمات وحروب سابقة سواء من حيث القسوة والعنف أو من حيث مستوى «قلة الحيلة» عند الضحية (حلب وسكانها)! وكذلك من حيث الصمت المخجل والمحرج للمجتمع الدولي الإنساني إن كان إنسانيا! إنها ربما من المرات النادرة التي تـقصف فيها مستـشفيات تابعة لمنظمات أممية دولية ولا أحد ينبس بـبنت شفة! حتى التعاطف الجماهيري في شوارع العرب أو شوارع الغرب يظهر وكأنه من المحظورات أو من بقايا مشاهدات (ربيع عربي) ممنوع بالقوة المسلحة! سؤال من دم حلبي: هل المجتمع الدولي متبلد أم متلبد بالخزي والعار؟!

د. صنهات بن بدر العتيـبي

copy short url   نسخ
03/05/2016
2500