+ A
A -
يقول مارتن لوثر كينغ: إن أسوأ مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في القضايا الأخلاقية الكبرى!
مارتن لوثر كينغ أميركي من أصول إفريقية، وهو أحد أبرز الذين ناضلوا من أجل الحرية وحقوق الإنسان في القرن المنصرم، قاد حركة احتجاج واسعة ضد التمييز العنصري في أميركا، كان ضد العنف بكل أشكاله، حتى أنه كان ضد حركة السود الحربيين الذين انتهجوا طريق العمل المسلح، وكان أصغر من نال جائزة نوبل للسلام، ولكن هذا المسالم لم ينجُ من عنصرية أميركا فتم اغتياله عام 1968 وهو لا يزال في التاسعة والثلاثين.
وبالعودة إلى المقولة الجميلة لمارتن، فإني وإن كنتُ لا آخذ أماكن الناس في النار أو في الجنة بحسب تصنيف البشر ما لم يكونوا مؤيدين بالوحي، إلا أن الحياد أمقت سلوك إنساني مارسه البشر يومًا، إنه في كثير من الأحيان موقف مخزٍ، ولا أعرف إن كان يصحُ تسميته موقفاً، إذ أنه في حقيقته غياب الموقف! ثمة قضايا، الوقوف على الحياد فيها لا تفعله البهائم ولا الجمادات، إذ أنها ترى من العيب أن لا يكون لها موقف تجاهها، ولا تستغربوا إذ أقول إن الحيوانات والجمادات لا تعرف الحياد الذي يعرفه البشر، وسآتيكم بمن ترضون دليلاً حتى لا يكون كلامي رجمًا بالغيب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أُحد جبل يحبنا ونحبه»! ويقول صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف حجرًا في مكة كان يُسلم عليّ بالنبوة»! حجارة أيها الناس، حجارة! لم ترضَ أن تقف على الحياد بين الحق والباطل، وما يزال بعض البشر يُشاهدون الصراعات المستعرة على ظهر هذا الكوكب، كأنما يشاهدون فيلمًا من أفلام الخيال العلمي، يحكي قصة حروب بين مجرات بعيدة!
حتى الحيوانات لا تعرف الحياد ولا تعترف به، ولا ترضى أن تكون تافهة بلا موقف، فعندما أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار، هرعت الحيوانات تحاول إطفاءها، إلا الوزغ فإنه كان ينفخ فيها! بغض النظر عن موقف كل فريق، وبغض النظر عن البون الشاسع بين طرفي الصراع يومذاك، إلا أن الحيوانات رأت أنه من التفاهة أن تتخذ سلوكًا بشريًا اسمه الحياد، تأنف الحيوانات أن تكون تافهة، وتعيش على هامش الحياة!
حتى النبات يأنف أن يقف على الحياد! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لن تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يُنادي الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود» هكذا بكل بساطة، يأخذ كل مكانه في المعركة الدائرة، والصراع المستعر، فريق مع الحق وفريق مع الباطل، هذا الشجر العاجز عن الحركة إلا حركة النمو، المغروس في الأرض كالأسير المقيّد، آثر أن يكون له رأي وهو واقف مكانه على أن يُحايد!
المحايدون هم التافهون الفارغون الذين ارتضوا لأنفسهم سلوكًا تأنف منه الحيوانات والنباتات والحجارة! ليس المطلوب أن نشارك بكل صراع، ولكن من العيب أن لا يكون لنا رأي وموقف على الأقل، ثم وحدها النوايا والمشاعر قد ترفع البشر مكانًا ما ظنّ أحد أن يبلغوها، وقد روى البخاري في كتاب المغازي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وصار بحذاء المدينة، قال: «إن في المدينة أقوامًا ما سرتم سيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر»!
وأختمُ بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم قال: المحايد لم ينصر الباطل ولكنه خذل الحقّ!
copy short url   نسخ
10/12/2016
10801