+ A
A -
مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، تُشير مُعظم التقديرات، المبنية على المعلومات والمؤشرات الملحوظة، إلى أن حزمةً من التغييرات في السياسة الخارجية الأميركية ستقع على الأرجح، وذلك للتعامل مع عدد من القضايا الحيوية بالنسبة للسياسة الأميركية الخارجية، وعلى رأسها قضايا جنوب شرق آسيا، حيث استشعار مصادر القرار في الولايات المتحدة أن الجزء الأكبر من أحداث العقود المقبلة الاقتصادية والسياسية سيُحدد في تلك المنطقة من العالم، إضافة لقضايا الشرق الأوسط، مع إدراك واشنطن تراجع قدرتها على الاستمرار بتحمل أعباء وجودها في الشرق الأوسط بالمستويات نفسها خلال العقود الماضية، خصوصاً مع بروز الحاجة لتعزيز الوجود الأميركي في جنوب شرق آسيا، وتّغّيُّر الأولويات.
الاتجاه العام لمصدر القرار في الولايات المتحدة، وحتى في الفترة الأولى من رئاسة الرئيس باراك أوباما، حَدَدَ أكثر من مرة ضرورة السعي لتعزيز حضور الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، مع التنامي المُتسارع لقدرات الصين الاقتصادية والعسكرية، وحضورها المُتزايد في تلك المنطقة وبحر الصين الجنوبي، وهو ما دَفَعَ للتفكير أميركياً بنقل الثقل من مناطق مُختلفة في العالم، إلى جنوب شرق آسيا، وتقليل الوجود في الشرق الأوسط لتوفير موارد كافية لإعادة التوازن إلى تلك المنطقة المتوقع أن تشهد سخونة مُتراكمة بالتتالي، خلال السنوات المقبلة.
إن الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، يُدركان اليوم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى، أنه لا يُمكن وصف مسار صعود الصين خلال السنوات التالية سوى بــ «الصعود الصاروخي للتنين الصيني» على كل المستويات؛ حيث تتربع جمهورية الصين الشعبية الآن في الموقع الاقتصادي والتجاري الثاني على سطح المعمورة بعد الولايات المتحدة، وتَضُمُ بنوكها المخزون الأول من الودائع بالعملات الصعبة على مستوى العالم بأسره.
فالصعود الصيني على كل المستويات، حَصَلَ واقعياً ليَكسِرَ تقديرات واشنطن التي كانت تقول مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي السابق وتفكُكِه، إن الصين ستلتحق عاجلاً أم آجلاً بنظيرها السوفياتي من حيث التفكك وانهيار نظامها الشمولي القائم على حكم الحزب الواحد.
لذلك، تعاملت واشنطن مع بكين بُعيد انتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينيات القرن الماضي، على أنها أكبر بقليل من قوة إقليمية يُمكن ضبط إيقاعها بوسائل مُختلفة، لكن قدرات الصين تطورت تطوراً هائلاً بعد ذلك على المستوى الاقتصادي بالدرجة الأولى، وفي اتباع سياسات الانفتاح المدروسة والمضبوطة بإيقاعات دقيقة، وفتح أبواب الاستثمارات الداخلية والخارجية، بل وزادت من انتشارها العسكري في بحر الصين الجنوبي، بما في ذلك إقامة عدد من الجزر الصناعية وتحويلها إلى قواعد عسكرية صينية لتأكيد الوجود الصيني في تلك المنطقة الحساسة، بل ورفع مستوى المطالبة بما تعتبره حقاً لها في المطالبة بالجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي بما في ذلك مناطق قريبة من سواحل عدد من دول جنوب شرقي آسيا.
وعليه، علينا أن نُدرك أن الإدارة الأميركية الجديدة، لن تُعيرَ قضايا الشرق الأوسط، وفي القلب منه القضية الوطنية التحررية العادلة للشعب العربي الفلسطيني، اهتماماً كبيراً وملحوظاً ومؤثراً كما يَعتقد البعض، بل العكس، يتوقع أن تَبقى الإدارة الأميركية على وتيرة ما انتهت إليه إدارة الرئيس باراك أوباما بشأن القضية الفلسطينية، وترك الغارب مفتوحاً على أبوابه أمام سياسات «إسرائيل» التوسعية التهويدية للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 وخاصة القدس، إضافة للتخبط في الموضوع السوري ومعالجاته تحت سقف توافقات المصالح مع موسكو.

بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
09/12/2016
1594