+ A
A -
رغم ان أوضاع الأكراد اليوم أفضل منها قبل عقد أو عقدين من الزمن إلا أن وقوعهم كأقلية ضمن أربع أو خمس دول متجاورة جعل منهم مضرب مثل لرؤية مدى تأثير التداخل بين السياسة والجغرافيا والتاريخ والانثروبولوجيا بل كل المواضيع ذات الصبغة الإنسانية على وضع شعب ما! بسبب هذه التركيبة عاش الأكراد في وضع معقد وشائك في الأحوال العادية فما بالكم بالأحوال الحالية ومنطقة الشرق الأوسط تغلي كالمرجل!

قضية الأكراد كانت ومازالت «حالة خاصة»، قديمة لم ينسها العالم وجديدة عادت بقوة إلى صدارة الأحداث مرات عديدة خلال السنوات الماضية مرة عندما استخدمتهم أميركا لإنجاح غزوها للعراق عام 2003 م ومرة عندما استخدمتهم روسيا لإنجاح تدخلها في سوريا عام 2015 م ومرات ومرات عندما استخدمتهم العديد من الدول والأنظمة خاصة نظام الأسد لتحقيق مآرب سياسية خاصة بهذه الدول والأنظمة ليـبقى حلم الأكراد بوطن قومي مجرد حبر على ورق!

كلما اقترب حلم الأكراد بوطن قومي من النور يتحول إلى إشكالية سياسية إقليمية تجعل من الوطن الكردي رابعا للغول والعنقاء والخل الوفي! وعلى ذكر الخل الوفي فإن العم سام لعب كثيرا على أوتار الحلم الكردي ليحقق مصالحه الخاصة وليقضي على أكراد القاعدة في العراق ثم قلب للأكراد ظهر المجن وظل يجاملهم بحكم ذاتي لا يسمن ولا يغني من جوع! وها هو العم سام يسعى لإعادة الأسطوانة نفسها في سوريا والعراق بمحاولة استخدام الأكراد مرة أخرى كأداة لمهاجمة تنظيم الدولة بقوات برية بدون التزامات أو وعود ذات قيمة للأكراد!

وعلى نفس المنوال، يبدو أن العديد من القوى الاستعمارية الجديدة وربما الدول الإقليمية تراهن على الأكراد لمساعدتها بدون دغدغة حقيقية لطموحات الأكراد السياسية والسبب في ذلك يعود إلى عدد من المعوقات والمحظورات السياسية لعل أولها وأهمها أن الأكراد أنفسهم منقسمون سياسيا وفكريا وثانيها أن الكل يريد من الأكراد أن يكونوا مجرد أداة في لعبة سياسية وثالثها أن تقسيم المنطقة على أسس عرقية أو مذهبية موضوع مؤجل إلى أجل مسمى!

ومن دلالات الاختلاف بين الأكراد نلاحظ مثلا أن أكراد العراق ظلوا أكثر من عشر سنوات، في ظل حكومة عراقية ضعيفة وبحكم ذاتي صوري، يعلنون بخجل واضح رغبتهم في الاستقلال لكنهم يعرفون ويقدرون المعادلة الدولية التي تجعل رغبتهم مؤجلة! أما أكراد سوريا فقد سارعوا بعد سيطرتهم على مناطق محدودة شمال سوريا إلى إعلان تأسيس نواة دولة بنظام فيدرالي اسموها «روج آفا»! ومع ذلك لم يلامس إعلانهم صدى مقبولا حتى من الدول التي تدعمهم أو تتحالف معهم مثل أميركا وروسيا ونظام الأسد في حين رفض الإعلان دول عديدة أولها الجارة الكبيرة تركيا وتجمعات سياسية دولية مثل الجامعة العربية وهناك دول أخرى صمتت ليس من باب الرضا لكن من نافذة الاستخفاف بالإعلان!

أكراد اليوم تـتقاذفهم الدول المختلفة لتحقيق مصالح خاصة بها ثم ترميهم في أزمة أخرى لا تنتهي! أميركا تريد من الأكراد مساعدتها لهزيمة تنظيم الدولة بريا بعد أن عجز الطيران عن حسم المعركة! وروسيا تريد من الأكراد مساعدتها في التحرش بعدوها الجديد تركيا وكذلك تقديم العون لها للضغط على المعارضة السورية المعتدلة ولتحقيق الطموحات الروسية الجديدة بالتوسع والسيطرة. ونظام الأسد يريد من الأكراد مساعدته في البقاء وهزيمة الأعداء والاحتفاظ بأجزاء من سوريا الممزقة للعودة اليها لاحقا وبناء سوريا الجديدة.

أما تركيا فتريد من الأكراد عدم إيقاظ أحلام الوطن القومي للأكراد جنوب البلاد وعدم اتصال الأكراد غرب سوريا بالأكراد شرق سوريا! وإيران تريد من الأكراد مساعدتها في مشروعها الصفوي في العراق وسوريا بالمجان وبدون منح أكرادها حقوقا أو تنازلات! حتى الأكراد يريدون من الأكراد خاصة السياسيين فهم اللعبة السياسية وعدم لعب دور حصان طروادة الذي يٌفيد الأخرين ولا يفيد نفسه!

ولأن الجغرافيا والسياسة لعبت دورا كبيرا في مآل الحلم الكردي فإن التاريخ لعب كذلك دورا لا يمكن تجاهله! ذاكرة الغرب لا تستطيع أن تـنسى القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي وقد تعامل الغرب مع الأكراد سياسيا بوحي من هذه العقدة! الأكراد القدماء لم يتمكنوا من تحقيق الحلم الكردي بتأسيس وطن قومي بسبب رفضهم التعاون مع القوى الاستعمارية أيام سايكس-بيكو والأكراد الجدد قد يفشلون كذلك في تحقيق ذات الحلم الكردي رغم تعاونهم مع القوى الاستعمارية الجديدة أيام كيري-لافروف، إنها متلازمة العقد التاريخية والسياسية التي تطل برأسها كلما حاول الأكراد أحياء الطموحات الكردية بـ «وطن قومي» في خاصرة أربع دول مستقلة!

د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
19/04/2016
2000