+ A
A -
في البداية يجب أن نؤمن بأن العولمة هي نموذج أو وجه آخر للإمبريالية الاقتصادية، التي جعلت مؤسسات خدمة المجتمع بكافة أشكالها من: صحافة، تليفزيون، سينما؛ حتى المؤسسات الصحية تخضع لقانون الربح بشكله النفعي بعد إقصاء البعد الأخلاقي أو الإنساني. وهنا اتذكر جملة شهيرة للشاعر الأميركي هنري تشارلز بوكوفسكي: ( لقد اصبح العلاج مكلفا لدرجة انك ايها الإنسان اصبح من الأرخص أن تموت) اشارةً منه في كون العولمة جعلت الحقوق الطبية خاصعة لقانون الفائدة الربحية، كذلك هذا ما يقوله المنظر الشهير انتوني غدنز بأنها أي العولمة: «عالمٌ من الفوضى»، المفكر عبد الوهاب المسيري- رحمه الله والذي أحبه كثيرا- ذكر في حواراته المشهورة والتي طبعت لاحقا تحت عنوان: (العلمانية والحداثة والعولمة) بأن العولمة وحش تم إطلاقه على هذا العالم وبأنها تحاول جاهدة أن تجعل الإنسان والمجتمع مجرد مادة استهلاكية خالية من المعتقدات والحواس والمشاعر، الكثير من المثقفين الغربيين وصفوها بأنها بوتقة الجحيم. مشكلتنا كخليجيين أننا لم ننجح في تشكيل جبهة ضغط أمام الامبرياليات الكبرى، كما فعلت اليابان والصين والهند مثلا، تلك الدول تمكنت من فرض ثقافتها بإزاء ثقافات العالم النافذة والمنافسة. أصبحت مصدر قلق للقوى الكبرى ونالت احترام السوق العالمي، ونالت ما تستحق من احترام الثقافات الأخرى. ونحن؟ ماذا ننتظر؟ الأمر بحاجة أولا إلى عدم التخوف والذعر من مشاركة الثقافات الأخرى وأن لا تكون الهوية عائق أمام الاندماج مع العالم ودعوى للانعزالية. والثاني ضرورة أن ننطلق من هويتنا الخليجية لتكوين جبهة ضغط على العالم ومقاومة سعي العولميين في إذابة الهويات. صحيح أم الحديث في هذا متأخر جدًا، فنحن اليوم نعيش مابعد العولمة، مرحلة عسكرية سياسية شرسة ضد أوطاننا، حدودنا الحغرافية، وجودنا على خريطة الكون! تذويب الهوية مرحلة سابقة، محاولات شبع منها العالم المستبد والاستعماري، وهو الآن يلعب على المكشوف. لكن محاولة التقاط ما تبقى من ملامحنا، العمل على تشكيل قوة كونفيدرالية خليجية، واستعادة تماسك الهوية الخليجية، ستكون الخطوة الأولى في طريق قوة تمكيننا السياسي والثقافي في العالم.
بقلم : كوثر الأربش
copy short url   نسخ
24/11/2016
4893