+ A
A -
يهاتفك صديق أو قريب، يسألك المساعدة في إيجاد وظيفة لابنه أو ابنته، تعطي الأمر ما يستحقه من اهتمام وتبدأ في اتصالاتك بالأشخاص الذين «تمون» عليهم، يستجيب أحدهم ويعدك بأنه سيجتهد لتحقيق ذلك. تنسق بينه وبين الصديق أو القريب وتتركهما يتواصلان معا، فتكون بذلك قد أنجزت مهمة طيبة وتعتبر أن الموضوع قد انتهى. الطبيعي في هذه الحالة هو أن يتواصل الطرفان وليس مهما عندك ما يسفر عنه ذلك التواصل، فمهمتك انتهت بتوفير خط اتصال بين ذاك الباحث عن واسطة والواسطة، وكنت كمن وفق رأسين بالحلال.
ولكن لأن الزمن لم يعد كما الزمن، والناس لم يعودوا كما الناس، لذا فإنك تفاجأ بذاك الصديق أو القريب يعاتبك ويطلب منك التحدث مع «الواسطة» من جديد لأنه لم يقم بعد بما وعد به أو أنه لا يرد على الاتصال، فتجد نفسك في حرج لأنه ليس من الذوق أن تتحدث مع الشخص في نفس الموضوع مرة أخرى فقد تحرجه ولكي لا تبدو ثقيل دم ومزعجا، في الوقت الذي يفترض أن يكون التواصل قد تم بينه وبين من أردت مساعدته.
عانيت من مثل هذه المشكلة كثيرا، وكثيرا ما كانت تنتهي القصة بزعل الصديق أو القريب واعتقاده بأنني لم أولي الموضوع الأهمية التي يستحقها. مثل هذه القصص ساعدتني على التوصل إلى استنتاج أن الكثيرين اليوم صاروا يريدون من الآخرين القيام بعملهم واكتفائهم بحصد ثمار مجهود لم يقوموا به. مثل ذلك الشخص يريد أن يجلس في بيته ويضع رجلا على رجل ويعتبر نفسه قد قام بما ينبغي أن يقوم به تجاه ابنه أو ابنته بأن تحدث معك وانتظر النتيجة، فهو لا يريدك أن تكون المفتاح فقط ولكن أن تقوم بالمهمة بدلا عنه.
هل هذه مشكلة؟ الحقيقة نعم، إنها مشكلة الكثيرين في هذا العصر إلى الحد الذي يمكن اعتبارها ظاهرة تستدعي الدرس والبحث من قبل الاجتماعيين والنفسانيين الذين عليهم تبين الأسباب.
«طلب العون والمساعدة من شخص ذي نفوذ وحظوة لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخص لا يستطيع تحقيقها بمفرده» هو الاصطلاح الشرعي لكلمة الواسطة، وهو ما يبحث عنه عادة من يسألك المساعدة في توظيف ابنه أو ابنته. ليس الحديث هنا عن أضرار الواسطة المتمثلة ربما في حرمان آخر أكثر استحقاقا للوظيفة ولكن عن اعتبار البعض أن دوره كأب أو مسؤول عن ابنه الباحث عن وظيفة قد انتهى بمجرد أنه طلب ممن يعرف أن يوصله بمن يمكنه القيام بمثل هذه المهمة.
هذا يجر إلى موضوع الاعتماد على الغير في تحقيق الأهداف، ولأن مثل هذا الأمر لم يكن في الأزمان الخليجية السابقة التي كان فيها الفرد يعتمد على نفسه ولا يطلب العون من الآخرين إلا إن ضاقت به السبل، لذا فإن دراسته على اعتبار أنه ظاهرة تستدعي الدرس والبحث أمر صار ضرورة.
بقلم : فريد أحمد حسن
copy short url   نسخ
22/11/2016
2751