+ A
A -
ركز إعلامنا على نشاطات التراث للمجتمع القطري من خلال قناة الريان على وجه الخصوص، في حين غلب التركيز في تليفزيون قطر على إظهار التمدن الشكلي للدولة من خلال إبراز أماكن الترفيه فيها من فنادق ومطاعم ومجمعات.. ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها:
أولاً: في ما يتعلق بالتراث.. من المهم جدا التركيز على قيمه أكثر من نشاطاته لأن النشاط لا يعود كما كان في السابق لانتهاء ظروفه، فالقنص في قطر انتهى، وتربية الصقور لدى شباب اليوم هواية أكثر منها نشاطا حرفيا كما كان في السابق، وغير ذلك من النشاطات التراثية الأخرى لكن قيم هذه النشاطات هو ما يجب استحضاره، واستحضار مثل هذه القيم لا يتطلب فقط إقامة المسابقات، ولكن يتطلب أيضا المحافظة على نفس مستوى العلاقات الذي كان سائدا. وهذا هو التحدي اليوم «روح المجتمع القطري» التي كانت سائدة.
ثانياً: قيم تراثنا، قيم مشتركة، تقوم على التعاون والإيثار والتحاب، والمشاركة وما إلى ذلك، ففي الغوص تجدها وفي القنص تجدها، وفي الفريج تجدها.
ثالثاً: المدينة سابقا، الدوحة، كانت أقرب إلى كونها قرية كبيرة مقارنة بضواحيها وقرى قطر في السابق، لا تجد أي اختلاف بين قيم الفريج وقيم المدينة التي هي أصلا كانت مجموعة من الفرجان.
رابعاً: المحافظة في المدينة تماما كالمحافظة في القرية أو في فرجان الضواحي، لا تشعر بأي نوع من التبرج أيا كان شكله في السابق، الفنادق معدودة ومحافظة كذلك.
خامساً: سكان المدينة من الأجانب أعداد محدودة ومعظمهم من الطبقات الوسطى المحافظة على القيم، مدرسين، أطباء، مهندسين... الخ.
سادساً: يقدم إعلامنا اليوم على الجانب الآخر صورا عديدة من خلال برامج عدة للتمدن الشكلي في الدولة عن عرض ريبورتاجات وتقارير لأفخم المطاعم والفنادق وأماكن السياحة والترفيه والمجمعات الاستهلاكية الكبيرة، وينسى أن لهذا الشكل من التمدن قيمًا قد تكون في تضاد مع قيم المجتمع نفسه التي غرست فيه.
سابعاً: لاحظت ولمست لمسا، لدى شباب اليوم، من أولئك المغرمين بنشاطات التراث التي ترعاها الدولة وهم قطاع كبير، ولك أن تلاحظ عدد المشاركين في مسابقات التراث وأعمارهم.. عدم رغبة واضحة في الاندماج في حياة المدينة الشكلية القائمة اليوم، إلى درجة أن بعضهم يرفض حتى مجرد الذهاب للمجمع «المول» وإذا اضطر ذهب مسرعا، ناهيك عن زيارة الفنادق وغيرها، أتكلم هنا عن القطريين، أبناء التراث وثقافته.
ثامناً: بروز ثقافتين واضحتين، ثقافة يغلب عليها طابع الوافد واحتياجاته، وثقافة تحاول المحافظة على التراث عن طريق تجديد نشاطاته وبث الروح فيها، ترعاهما الدولة، ويشارك في ذلك الإعلام دون سياسة واضحة، سوى العرض.
تاسعاً: نجحت الدولة في تعبئة الشباب القطري وإبعاده عن مصادر الخطر ما أمكن من خلال هذه البرامج التراثية بلا شك وهذا شيء تحمد عليه، ولكن ستواجهها مشكلة هي كيفية المواءمة بين ثقافة التراث وثقافة المدينة الاكتنازية في وقت قصير، من جميع الجنسيات، وأرقى الفنادق، وما قد ينتج عن ذلك من سلوكيات هي في تضاد تام مع قيم التراث التي يمارسها نشاطاتها الشباب.
عاشراً: في السابق كان المسجد والفريج والمدينة في إطار واحد من الثقافة، حين تخرج من المسجد وخلال مرورك بالفريج حتى وسط المدينة، أنت تعيش ضمن سلسلة من القيَم واحدة، اليوم الأمر مختلف تماما، لذلك هناك حلقة مفقودة يجب الانتباه لها.
إحدى عشرة: على أجهزة الدولة وفي مقدمتها الإعلام، مواكبة الجانب المادي للتمدن الذي انتهجته الدولة، بجانب من التمدن في المضمون وفي إيجاد نوع من التفكير متمدن يقبل أو لديه القابلية للتعايش وبقبول الحد الأدنى من السلوك والقيم الشخصية.
اثنتي عشرة: التنمية عملية شاملة خاصة في ما يتعلق بجانب القيم والأخلاق، لقد أعرنا الجانب المادي جلُ اهتمامنا على حساب الجانب المعنوي، وفصلنا بين قيم التراث وقيم المدينة وهذا سيسبب أشكالا لاحقا وقد يطمس الهوية بشكل كبير.
ثلاث عشرة: أقمنا حاجزا نفسيا لدى الوافد ضد هويتنا دون أن ندرك.. أماكن سمحنا للقطري بالدخول فيها بزيه الوطني، وأماكن منعنا القطري من الدخول فيها بنفس الزي، بحجة أنها لا تليق بالزي القطري، والإشكالية أن المشترك في المنع هو «القطري» مما سبب ويسبب إحراجا له ونظرة دونية له من قبل الوافد أو العامل.
كان من الممكن معالجة مثل هذه الأمور قانونيا ومن يكرس الفوضى يمنع أيا كان زيه أو ملبسه، لذلك ننأى بثقافتنا من التهم. ونحيلها إلى الفرد.
أربع عشرة: الطريف أننا ندير النظم الإدارية من خلال ثقافة التراث من عشيرة وقبيلة وعائلة، في حين نقيمها على أحدث سبل التكنولوجيا والاتصالات.
خمس عشرة: قيم التمدن هي ما يجب التركيز عليه أكثر من مظاهره المادية، أين الجمال المعماري والقيم الفنية مثلا، أين سلوكيات المرور الأخلاقية، أين نظام المرور الأخلاقي الذي لا يفقدك أعصابك ويثير حفيظتك فتفقد السيطرة على نفسك ولسانك، أين القيم الشخصية التي لا تتعارض مع ثقافة المجتمع وأين النظافة العامة.. كل هذه الأمور تحتاج إلى أسس تقوم عليها.. أقمنا مهرجانا للتراث، فعلينا بالتركيز على قيمه وأخلاقياته، وأقمنا تمدنا ماديا، فعلينا بتمدن التفكير وإنجازه كمضمون لا كشكل.
ست عشرة: لابد من وضع خطة للدمج بين ما تقدمه الدولة من تشجيع لنشاطات التراث وقطاعها الواسع من الشباب، وبين ما نشهده من تقدم مادي سريع للمدينة والقيم التي يمكن أن تنتج عنه ولا نتركها للصدف، وللعشوائية، الأمر أكبر من مناسبة، وأخطر من أن يضحى به أو يغفل عنه.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
20/11/2016
1564