+ A
A -
خلال أكثر من عقدين شغلت تركيا الرأي العام الإقليمي والدولي، انشغالا يشير إلى انقسام حاد في الرؤية والتقييم لهذا النموذج التركي. جوهر هذا الانقسام النظرة غير الايجابية للنموذج ومحاولة هدمه قبل ان يشتد عوده. فعند بعض دول الإقليم أصحاب القصور السياسي وتعزيز الاستبداد كان هناك ثمة خوف وقلق لا بل وتشبيه بإيران وأدوارها السلبية في المنطقة العربية. قلق من النموذج التركي بسبب هويته السياسية، وقلق بسبب كفاءة الدولة لأنها تذكر الآخر بعجزه وقصوره من بناء دولة متماسكة.
في المقابل ثمة محاولة للهدم تتمثل في محاربته والحيلولة دون انضمامه للاتحاد الأوروبي باعتبار أن الأوروبيين يعتقدون أنهم بوابة النهوض لتركيا.
الحديث عن النموذج التركي يأتي في سياق تطور اقتصادي مهم يتعلق بسداد تركيا جميع ديونها لصندوق النقد الدولي. ولم تكتف بذلك، بل تجاوزته إلى تخصيص 5 مليارات دولار لإقراضها لصندوق النقد الدولي الذي طلب الاقتراض من أنقرة. إقراض صندوق النقد الدولي ليس حدثاً عابراً يمكن المرور عليه دون النظر إلى التجربة التركية في سياق شرق اوسطي. فهو إشارة واضحة عن التزام تركيا بأن تكون جزءا من المنظومة العالمية المؤثرة.
تأييد ليس فقط عبر السياسة بل عبر الاقتصاد والمال. وهو أيضا رد على من يعتقد أن تركيا تلعب سياسياً فقط على مستوى الاقليم. الإشارة الثانية ان هذا التطور يأتي في وقت وافق فيه الصندوق على اقراض مصر 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.
الأداء الاقتصادي مؤشر بالغ الأهمية على مدى تميز التجربة التركية، وهي مفتاح للتأمل خاصة من قبل أولئك الذين يرون أن تركيا ليست الا خطابات رئيسها رجب طيب اردوغان. تركيز على البعد الشخصي ومحاولة اختزال كل التجربة في الرئيس، هذا يمكن ان يختبر بشكل كبير إذا ما كان التفوق التركي متعلقا بالبعد الداخلي فقط، لكن تحقيق نجاحات في الخارج مع الابتعاد عن التدخل في شؤون الدول الداخلية ذلك بعينه نقطة تميز. للراغبين في المقارنة يمكنهم ان ينظروا إلى التجربة الإيرانية بعد 1979 وعدم النجاح في السياسة الخارجية والذي صنع لإيران خصوماً ولم يعنها اقتصادياً، لا بل ضاعف من أزماتها الاقتصادية.
لكل نظام سياسي من يختلف معه ويعارضه، لكن لكل بلد ايضاً خصوصية في المعارضة. الحديث هنا كيف نجح النظام السياسي التركي في اقناع معارضيه في الدفاع عن الدولة عندما حصل الانقلاب. ان حجم الاختلافات السياسية بين المعارضة التركية وبين الحكومة كبير، لكن الاختبار الحقيقي كان عندما حصلت المحاولة الانقلابية الفاشلة، وكيف إن المعارضة وضعت جانباً خلافاتها لتدافع عن الإنجاز الذي حصل وليس بالضرورة عن «حكومة العدالة والتنمية». محاولة الانقلاب الفاشلة كانت اختبار لمدى تماسك النظام السياسي بكل أطيافه، وهو اختبار أضاف للدولة نجاحات أخرى عززت من مصداقياتها.
يمكن ان يقال الكثير عن التجربة التركية بشكل إيجابي أو غير إيجابي، كل وفق اجندة من يقيّم التجربة، ما هو جلي أن التجربة وريادتها انعكس على الشأن الداخلي قبل الخارجي وهو ما أضاف الكثير لمصداقياتها. في هذا السياق لا بد من الحديث عن ريادتها في السياسة الخارجية لا سيما محيطها الثقافي والحضاري حيث تطور العلاقات مع دول الخليج العربية ومع محيطها التركي في الجمهوريات المستقلة. غير بعيد عن ذلك حضورها في افريقيا في الابعاد السياسية والاقتصادية والأمنية. ان علاقات تركيا الخارجية لا تعكس حالة من التوافق التام مع الدول الأخرى في كل القضايا، لكن الملفت هو القدرة على إدارة الاختلاف في العلاقات بشكل يخدم مصالحها.

بقلم : محجوب الزويري
copy short url   نسخ
16/11/2016
2623