+ A
A -
مع تعاقب الأحداث في المنطقة العربية وتواترها السريع على مختلف الجبهات والمحاور تتأكد يوميا المعطيات التالية المتصلة بالهزات السياسية الأخيرة على الأرض: أولها: أن الثورات العربية أو بتعبير أدق أنّ ثورات الشعوب العربية كانت ثورات سلمية قاعدية وتلقائية أي أنها ليست ثورات نُخب ولا هي مؤامرة إقليمية كما يروّج لذلك أعداء التغيير في منطقتنا. ثانيها: أن ربيع الشعوب كان فرصة كبيرة من أجل تأسيس تحوّل تاريخي في صالح القضايا العربية والإسلامية التي تراكمت خلال عقود من حكم الاستبداد. ثالثها أن الفوضى المنتشرة هنا وهناك ليست إلا نتيجة طبيعية لكل مراحل التحول في تاريخ الشعوب بصورة عامة رغم سعي قوى الدولة العميقة في المنطقة العربية إلى تعميق الفوضى للتذكير بمحاسن الاستبداد ولتنفير الناس من التغيير. رابعها أنّ التغيير والموجات الاحتجاجية التي عبرت عنها الجماهير إنما هي إعلان عفوي عن نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة أو بتعبير أدقّ أنها إيذان بأن الأليات القديمة لحكم المنطقة العربية قد بلِيت وحان تغييرها.
في مقابل هذه المعطيات برز للعيان موقفان أساسيان أو لنقل ثلاثة مواقف على المستوى الرسمي أولها موقف داعم للثورات ولمطالب الجماهير العربية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ثاني هذه المواقف الرسمية هو موقف معادي للثورات حيث اعتبر أن موجة التغيير ستطال نظام حكمه أو أنها ستهدد مصالحه ومصالح الطبقة المرتبطة به فتآمر على الثورات وأحرق الأرض تحت أقدام شعبه كما يفعل النظام السوري اليوم في بلاد الشام. ثالث المواقف هو الموقف المسكوت عنه عند أنظمة عربية خيّرت الصمت المطبق وكأن الأمر لا يعنيها واكتفت بالتأقلم مع متغيرات المنطقة بشكل ظرفي يتناسب مع مصالح النظام الحاكم فيها.
اليوم وبعد مرور أكثر نصف عقد من الزمان على اندلاع الموجة الثورية الأولى تثبت المعطيات أن ربيع الشعوب العربية كان فعلا فرصة عظيمة لتحيين النظام الرسمي العربي وقد وصل إلى طريق مسدود فكانت الثورات عبارة عن ألم في جسد مريض يحتاج علاجا مستعجلا. مرض الجسد العربي الخفيّ ترجمه بكل جلاء ما كشفه الربيع من تغلغل امبراطوري وتمدد مشاريع استعمارية متجددة كان على رأسها المشروع الصفوي وهو يستهدف الخليج العربي بعد سقوط البوابة الشمالية.
لقد دفعت موجة التغيرات الأخيرة إلى السطح كل الأزمات والأمراض التي كانت تعاني منها المنطقة العربية في العمق أي أنها عجلت بكشف الأمراض والعلل والأزمات التي ما كنا لندركها لولا الانفجار الكبير وما لحقه من تغيرات. إن الأنظمة والمجموعات التي دعمت ثورات الشعوب كانت فعلا على صواب وكانت بوصلتها فعلا بوصلة سليمة.
فالدول التي دعمت الانقلاب المصري على الرئيس الشرعي محمد مرسي بدأت تدرك اليوم فداحة الخطأ والرجل يتجه مسرعا بمصر نحو تحالف بدأ يخرج للعلن مع المشروع الإيراني. إنه لم يعد يخفى على أحد أنّ محاصرة الخليج العربي وقضم أطرافه صارت هدفا معلنا للمشاريع الإقليمية والدولية في المنطقة. وليس أمام العرب اليوم مشرقا ومغربا غير مواجهة المشاريع الزاحفة بجرأة وشجاعة لأن الوضع لم يعد يحتمل مساندة المشاريع الانقلابية التي لم تورث ولن تورث غير الخراب للأمة كلّها.
بقلم : محمد هنيد
copy short url   نسخ
03/11/2016
2172