+ A
A -
الدور التركي في عش الدبابـير السوري لا يخـتلف كثيرا من حيث المنطلقات الاستراتيجية عن الدور التركي في الأزمة العراقية لكن الطريقة المناسبة للتعامل مع كل أزمة تـخـتلف باخـتلاف الظروف واللاعبين والميدان. القوات التركية المتجهة لمدينة الباب تحاول تحقيق أهداف استراتيجية لتركيا مشابهة بدرجة كبيرة للأهداف التي تسعى تركيا لتحقيقها من حشد قواتها في معسكر بعشيقة (12 كيلومترا شمال شرق الموصل). على كل حال، يـبدو أن التحركات التركية تستـشرف حالة (ما بعد تـنظيم الدولة) في سوريا والعراق أكثر مما يدور حاليا على الأرض!
دوافع التحركات التركية في الشمال السوري تـتعلق مرحليا بأهمية ترسيخ مشروعية تواجدها العسكري في سوريا بحجة محاربة تـنظيم الدولة! وقطع الطريق على الميليشيات الكردية (قوى سوريا الديمقراطية) حتى لا يكون صوتها عاليا ومؤثرا في الأحداث والقرارات! أما فيما يتعلق بالجيش السوري الحر فتريد تركيا تطوير دوره الفعلي على الأرض (يمسك الأرض) تهيئة لتـنـفيذ منطقة الحظر الجوي (أو مشروع المنطقة الآمنة التي دعت لها تركيا وتسعى لفرضها على اللاعبين الكبار وحتى الصغار المتورطين في الأزمة السورية المعقدة)!
على المدى الطويل، ولمواجهة حالة (ما بعد) تـنظيم الدولة وربما حالة (ما بعد) نظام الأسد، تسعى تركيا لتـثبـيت أقدام الجيش السوري الحر وما يمثله من «قوى سياسية» بحيث تكون لاعبا قويا ومتمكنا من ضمن اللاعبين الآخرين الذين سيكون لهم دور محوري في صناعة مستـقبل سوريا! كذلك تسعى تركيا لنزع فـتيل الدولة الكردية المتصلة حتى لا تكون قـنبلة كردية موقوتة على حدودها الجنوبية! والقوة هي اللغة الوحيدة التي ستمكن تركيا من تحقيق هذه الأجندات الاستراتيجية لسبـبـين هما: أولا، ضعف شرعية حكومة دمشق. وثانيا، تعدد وتداخل القوى والميليشيات والجماعات التي تـتـقاتل عسكريا على الأرض السورية وفي السماء.
قريبا من الموصل العراقية، تحاول تركيا أن تلعب دورا مشابها لما تـقوم به في مدينة الباب السورية لكن بطريقة مخـتلفة! في المنـظور الآني تحاول تركيا بتواجدها المتواضع فرض أمر واقع قد يمنع ممارسات التطهير الطائفي التي ينـفذها جـيش الحشد الشعبي (جحش) في كل أرض يطؤها! ويتم هذا الأمر بتـشجيع مشاركة الحشد الوطني العراقي (قوات العشائر السنية العراقية) وجزء من قوات البشمركة الكردية العراقية في تحرير الموصل لموازنة القوى التي تـخـتلف طائـفيا عن غالبـية سكان محافظة نينوى.
هذه هي الدوافع التركية الآنية من تواجدها على مقربة من الموصل في حميم المعركة مع تـنظيم الدولة، أما على المدى الطويل ولمواجهة حالة (ما بعد) تـنظيم الدولة فإن الدوافع التركية ترتكز على أهمية التواجد في المشهد العراقي حتى يكون لها دور في صناعة المستـقبل السياسي للعراق وليس الموصل فحسب! نظرا لأهمية الموصل الاقـتصادية والديموغرافية، إضافة إلى كونها آخر وأهم معاقل تـنظيم الدولة في الأراضي العراقية فإن من يشارك في تحريرها سيشارك في صناعة مستـقبلها ومستـقبل العراق، الأتراك يفهمون هذه الفكرة جيدا.. لكن أين العرب؟!
تواجه تركيا في العراق صعوبات سياسية جمة مقارنة بوضعها في سوريا، لذلك تـختلف طريقـتها وتحاول توظيف السياسة والتـفاوض أكثر من القوة! تـنفيذ الرغبة التركية من المشاركة في تحرير الموصل منوط بالحوار مع حكومة العبادي بسبب قوة شرعيتها التي حصلت عليها من القوى الفاعلة في المضمار العراقي خاصة أميركا و(مجتمعها الدولي) الذي يأتمر بأمرها. من ناحية أخرى تحاول تركيا ممارسة الضغط السياسي لتوفير حق المشاركة من ضمن قوات التحالف الدولي التي تـقاتل تـنظيم الدولة في العراق، بمعنى أن الأوراق في واشنطن والأتراك يحاولون!
في سوريا والعراق تحاول تركيا بالقوة أو بالسياسة التـقاط «دور محوري» يمكنها من المشاركة في حالة (ما بعد) تـنظيم الدولة! يعتـقد بعض المحللين السياسيين أن هذه الحالة ستكون حالة مدنية (بمعنى تـنظيف الأرض وإعادة الأعمار) لكن الأغلب منهم يجزم بأنها ستكون حالة عسكرية طويلة المدى تـشهد حروب عصابات لا تـنقطع، وتوترات عسكرية مستمرة، وتركيا تجهز من الآن عدتها السياسية والعسكرية للمشاركة في هذه الحالة مهما كان شكلها ولونها ورائحتها! السؤال المحوري يقول: أين العرب خاصة دول مجلس التعاون الخليجي المعنية بالأزمتين بشكل مباشر؟! ولماذا تواضعت واخـتـفـت القدرة السياسية العربية للتأثير على الأحداث أو لتعزيز ما يمكن اعتباره «دور عربي ما» في صناعة مستـقبل دولتين عربـيتين مهمتين؟! لقد اخـتطفت تركيا «دورها الاستراتيجي» في العراق وسوريا خطفا من بين أنياب الأسد الأميركي المتهور، ومن بين يدي الدب الروسي المندفع! ويفـترض أن العرب حاولوا خطف شيء ولو يسير، لكن لا حياة لمن تـنادي.
بقلم د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
01/11/2016
2676