+ A
A -
التناقضات هي سيدة الموقف في الحالة العربية المشتعلة. ويعود ذلك إلى كثرة اللاعبين في الساحة العربية ونزاعاتها بالإضافة لنقاط ضعف كل من الدول المتداخلة مع المشهد. لهذا فإن كان هناك من تصور قادم للوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا، فهو على الأغلب يتضمن استمرار النز اع ضمن وتيرة ترتفع وتنخفض بين فترة وأخرى.
النظام العربي خائف، الشعوب العربية مرتبكة وتعاني من التفكك، كما أن القوى المتدخلة في النزاعات تعاني من إشكالية إثبات قوتها في وقت تعاني من محددات وصعوبات جمة.
لنأخذ على سبيل المثال الحالة الروسية التي تبدو من خلال الإعلام قوة فتية تحت قيادة بوتين الصاعد. لكن الحقيقة ليست هكذا. لقد نجح بوتين على مدى سنوات بإقناع الروس انه منقذهم. وبالفعل أعاد بوتين روسيا لخارطة العالم، واستغل أسعار النفط المرتفعة قبل 2014 ليحسن من مستوى حياة المواطن الروسي، كما استغل بنجاح حاجة الشعب الروسي للمشاعر الوطنية القادرة على ربطهم مع مكانتهم التاريخية كما كان الامر في زمن كروسيا القيصرية و الاتحاد السوفياتي. وهذا دفعه للتدخل في جورجيا وفي أوكرانيا واخيرا في سوريا.
لكن السقوط الاقتصادي الروسي منذ تراجع أسعار النفط في عام 2014 جعل روسيا تصاب بمقتل إستراتيجي. على سبيل المثال أن مخزون البنك المركزي الروسي المكون من 91 مليارا سينتهي( في ظل استمرار السياسات الراهنة) مع أواخر 2017 الروبل الروسي سقط بحدود 40 % في 2014 ومازال مهددا، كما أن عام 2015 لم يشهد أية استثمار خارجي في روسيا، بل هاجر من روسيا 260 مليار دولار من رؤوس الأموال عام 2014 وخرج منها أكثر من 85 مليار دولار عام 2015 روسيا سائرة نحو كارثة اقتصادية، لهذا تتحول الحروب بما فيها الحرب السورية لمركز إثبات قوة، لكن من جهة اخرى لعبء إضافي على الاقتصاد الروسي.

هذا الوضع معلوم للفرقاء والمتواجهين مع روسيا على الارض، لهذا فالخيار أمام الكثير من القوى بما فيها قوات المعارضة المسلحة هو الاستمرار في مواجهة روسيا ومعها إيران والنظام السوري انطلاقا من نقاط ضعف هذه القوى وتناقض أهدافها وخطورة مراميها على مستقبل الشعب السوري وحقوقه، يقع هذا بينما السعي الروسي الأميركي للتفاوض مستمر وبلا انقطاع. كما أن الولايات المتحدة التي تتفاوض مع روسيا لا تتطابق في رؤيتها مع كل من دول الخليج وتركيا. فتركيا والخليج لن تستطيع القبول بأهداف روسيا وإيران والنظام السوري الذي سيترجم على شكل تغيرات في خارطة السكان في سوريا. بل لا تستطيع تركيا القبول بالكثير من ابعاد السياسة الاميركية التي قد تترجم تقوية للأكراد في سوريا بما يعود بالضرر على أوضاعها الداخلية. لهذا فالحروب الراهنة ستتحول لمزيد من الاستنزاف قبل ان تشهد افقا للتسوية والحلول.
لنأخذ على سبيل المثال ما يقع في الموصل، ولنفترض انه بعد معركة دامية و مدمرة وطويلة تمت استعادة الموصل للقوى التي تحاصرها الآن. فهل هذا سينهي مشكلة الدولة الإسلامية أم سيبدأ مشكلة أخرى أشد صعوبة وأكثر خطورة؟ الواضح أن القوى المصطفة لتحرير الموصل تملك زخما كبيرا لفرض انتصار بالقوة. لكن بنفس الوقت بين الدول المصطفة حول الموصل تناقضات كبرى بالرؤى كما وبالمصالح والأهداف، بل تختلف كل دولة وفئة بطبيعة علاقتها بالكتل السكانية في الموصل. وهذا يعني بالأساس اننا أمام سلسلة معارك ومواجهات، مما يعني نشهد نهاية قريبة للحرب في العراق كما وفي سوريا.
ان ما يقع في العراق وما يقع في سوريا وليبيا وكذلك في اليمن أصبح مترابطا، كل معركة ترد على الأخرى، كل مواجهة تسخن للثانية وللتي تليها. الحرب بين القوى المتداخلة أصبحت ذات طابع دولي كما إنها ذات طابع إقليمي ومحلي، فالصراع بشكله الراهن لن يصل لنتيجة قريبة في ظل وجود هذا الكم من التناقضات بين الأهداف والتصورات.
بقلم شفيق ناظم الغبرا
copy short url   نسخ
30/10/2016
3205