+ A
A -
تتواصل الحملة العسكرية التي يقودها الحشد الشيعي بتغطية من طيران التحالف الدولي وقوات من جنسيات مختلفة للسيطرة على مدينة الموصل وإخراج المجموعات العسكرية التابعة لداعش منها، وفي هذا السياق تتضاعف المخاوف عما سيكون عليه مصير سكان المدينة التي تعتبر من اكبر المدن العراقية وأكثرها سكانا بعد العاصمة بغداد.
وتكشف التجارب السابقة المستخلصة من العمليات التي شنها الحشد الشيعي ومن معه مما يُسمى الجيش العراقي على مدن شبيهة كانت تحت سيطرة داعش مثل تكريت والفلوجة أنها تشهد عملية دمار شامل ونهب ممنهج من ميليشيات الحشد الشيعي بالإضافة إلى تهجير السكان وأحيانا إعادة هيكلة الخريطة الديمغرافية من حيث توطين مجموعات شيعية وطرد السكان الأصليين للمدينة، وربما كانت مدينة الموصل هي الأكثر خطورة نظرا لطبيعتها الاستراتيجية فهي تقع في شمال العراق وتتحكم في المفصل الرابط بين سوريا وإيران بتوسط العراق.
وقد ظل وجود مليشيات داعش يشكل حاجزا مزعجا للمجموعات الشيعية الإيرانية أو الأفغانية المتدفقة إلى سوريا لدعم نظام بشار في قمع شعبه.
ومن هذا المنطلق تعتبر المجموعات الشيعية المنتمية للحشد أو للجيش العراقيين ومن خلال ما تتلقاه من دعم الحرس الثوري الإيراني أن المعركة لها بعد استراتيجي يخدم المعركة الكبرى في سوريا على المدى القريب والمتوسط. وفي ظل غياب استراتيجية واضحة لدى سنة العراق وانعدام الحاضنة الدولية التي تدعم وجودهم تحولوا إلى رهينة في يد تنظيم داعش بكل ما تعنيه الكلمة فهو لم يحفظ كيانهم بقدر ما منح الفرصة لخصومهم ربما لتشتيتهم وتهجيرهم هذه المرة.
ومثلما كان جيش الحكومة العراقية الطائفي جبانا في تصديه لداعش سنة 2012 وفراره تاركا مواقعه ومعداته بالجملة فإنه يستأسد اليوم بدعم دولي واسع ويُعد نفسه للانتقام من المدنيين العزل وإخراجهم من بلدهم بغير حق إلا شعار تحرير المدينة من داعش وهي كلمة حق يُراد بها باطل.
فلم تكن أزمة الموصل ومن قبلها المثلث السني ناتجة عن وجود داعش بقدر ما كان ظهور هذا التنظيم من أعراض الأزمة التي سببها الاحتلال الأميركي بداية ثم الحكم الطائفي لحزب الدعوة والمليشيات الشيعية المماثلة نهاية، فقد تعرضت مناطق أهل السنة العرب وخلافا للمناطق الكردية الآمنة المحمية أميركيا إلى عمليات تطهير مذهبي وتضييق سياسي من خلال تغييبهم عن مراكز القرار والجميع يذكر التدخل العنيف لمجاميع المالكي العسكرية التي تدخلت لفض الاعتصامات السلمية في المدن السنية التي طالبت بالمساواة وبضمان حقوق المواطنة بعيدا عن التمييز الطائفي ورفضا للتبعية التي يبديها النظام العراقي لطهران.
إن معركة الموصل اليوم لن تكون حلا للأزمات التي تعصف بالعراق منذ سيطرة الطائفية عليه بل ستكون مجرد خطوة نحو مزيد من التشظي وتدمير البنى الاجتماعية القائمة في البلد منذ مئات السنين ومهما بدت إيران مستفيدة مرحليا من حالة الهيمنة الطائفية الموالية لها في العراق فإنها في النهاية ستدفع ثمن الفوضى التي تستثيرها في المناطق المختلفة ولتكون في موقع العدو الأول لشعوب المنطقة وهو سلوك أهوج لا يخدم غير الكيان الصهيوني الذي يسعى قُدما نحو تثبيت نفسه داخل المنطقة بوصفه دولة تحمي أقلية كبيرة شبيهة بباقي الأقليات التي توجد في الدول المجاورة.
فم يعد الحديث اليوم عن محيط عربي إسلامي يحيط بكيان إحلالي استيطاني بقدر ما أصبح المشهد يحيل إلى دولة علوية في سوريا وأخرى شيعية في العراق ودولة طوائف في لبنان وفي النهاية يكون وجود الصهاينة مشرعنا بحكم الأمر الواقع الذي يخلقه التشتت الديمغرافي والانقسام السياسي في دول الطوق العربية.
وفي النهاية وإن كان من غير الممكن تبرير السلوك السياسي لداعش فإنه من غير المعقول إزالة حالة التطرف السني بإقرار وضع طائفي شيعي غاية في التعصب والتطرف ورفض الآخر لأنه حينها ستكون المنطقة مقبلة على مزيد من الفوضى والعنف والدمار.

بقلم : سمير حمدي
copy short url   نسخ
26/10/2016
3196